للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن كانت الحاجة إلى فضل العلم أدعى لسكون الدهماء وظهور أهل البدع كان الأعلم أحق ..

فإن وقف الاختيار على واحد من الاثنين فتننازعاها فقد قال بعض العلماء يكون ذلك قدحًا فيهما لمنعهما معا ويعدل عنهما إلى غيرهما .. والذي عليه جمهور العلماء والفقهاء أن التنازع فيها لا يكون قدحًا مانعًا، فليس طلب الإِمامة مكروها .. فقد تنازع فيها أهل الشورى فما رد عنها طالب ولا منع منها راغب ..

واختلف العلماء فيما يقطع به تنازعهما مع نكافؤ أحوالهما ..

فقالت طائفة يقرع بينهما ويقدم من خرجت قرعته منهما ..

وقال آخرون: بل يكون أهل الاختيار بالخيار في بيعته أيهما شاءوا من غير فرعة ..

فلو تعين لأهل الاختيار واحد هو أفضل الجماعة فبايعوه على الإِمارة وحدث بعده من هو أفضل منه انعقدت ببيعتهم إمارة الأول ولم يجز العدول إلى غيره مما ليس بأولى كالاجتهاد في الأحكام الشرعية .. وقال الأكثرون من الفقهاء والمتكلمين تجوز إمامته وتصح بيعته ولا يكون وجود الأفضل مانعا من إمامة المفضول إذا لم يكن مقصرا عن شروط الإمامة كما يجوز في ولاية القضاء تقليد المفضول مع وجود الأفضل لأن زيادة الفضل مبالغة في الاختيار ..

وليست معتبرة شرطا في الاستحقاق فلو تفرد في الوقت بشروط الإِمامة واحد لم يشرك فيها غيره تعينت فيه الإمامة ولا يجوز أن يعدل بها عنه إلى غيره ..

واختلف أهل العلم في ثبوت إمامته وافتقاد ولايته بغير عقد ولا اختيار .. فذهب بعض فقهاء العراق إلى ثبوت ولايته وانعقاد إمامته وحمل الأمة على طاعته وإن لم يعقدها أهل الاختيار لأن مقصود الاختيار تمييز المولَّى .. وقد تميز هذا بصفته ..

وذهب جمهور الفقهاء والمتكلمين إلى أن إمامته لا تنعقد إلا برضاء الاختيار ..

لكن يلزم أهل الاختيار عقد الإمامة له فإن اتفقوا أتموا لأن الإِمامة عقد لا يتم إلا بعاقد .. وكالقضاء إذا لم يكن من يصلح له إلا واحد لم يصر قاضيا حتى يولاه - فركب بعض من قال بذلك المذهب هذا الباب ..

وقال: يصير قاضيا إذا انفرد بصفته كما يصير المنفرد بصفات الإمامة إمامًا .. وفرق بعضهم فقال: لا يصير المنفرد بصفات القضاء قاضيا وإن صار المنفرد بصفات الإمامة إمامًا وفرق بينهما بأن القضاء نيابة خاصة يجوز صرفه عن الشخص مع بقائه على صفته فلم تنعقد ولايته إلا بتقليد مستنيب له .. والإمامة من الحقوق العامة المشتركة بين حق الله تعالى وحقوق الآدميين ولا يجوز صرف من استقرت فيه إذا كان على صفته فلم يفتقر تقليد مستحقيها مع تميزه إلى عقد مستنيب له ..

وإذا عقدت الإمامة لإمامين في بلدين لم تنعقد إمامتهما لأنه لا يجوز أن يكون للأمة إمامان في وقت واحد وإن شذ قوم فجوزوه .. واختلف في الإِمام منهما ..

فقالت طائفة: هو الذي عقدت له الإمامة في البلد الذي مات فيه من تقدمه لأنهم بعقدها أخص وبالقيام أنها أحق .. وعلى كافة الأمة في الأمصار كلها أن يفوضوا عقدها إليهم ويسلموها