لمن بايعوه لئلا ينتشر الأمر باختلاف الآراء وتباين الأهواء ..
وقال آخرون: بل على كل واحد منهما أن يدفع الإِمامة عن نفسه ويسلمها إلى صاحبه طلبا للسلامة وحسما للفتنة ليختار أهل الحل والعقد أحدهما أو غيرهما.
وقال آخرون: بل يقرع بينهما دفعا للتنازع وقطعا للتخاصم فأيهما قرع كان بالإمامة أحق ..
والصحيح في ذلك وما عليه الفقهاء المحققون أن الإِمامة لأسبقهما عقدًا كالوليين في نكاح المرأة إذا زوجاها باثنين كان النكاح لأسبقهما عقدًا فإذا تعين السابق منهما استقرت له الإمامة وعلى المسبوق تسليم الأمر إليه والدخول في بيعته ..
وإن عقدت الإِمامة لهما في حال واحد لم يسبق بها أحدهما فسد العقدان واستؤنف العقد لأحدهما أو لغيرهما وإن تقدمت بيعة أحدهما وأشكل المتقدم منهما وقف أمرهما على الكشف .. فإن تنازعاها وادعى كل منهما أنه الأسبق لم تسمع دعواه ولم يحلف عليها لأنه لا يختص بالحق فيها وإنما هو حق المسلمين جميعا فلا حكم ليمينه ولا لنكوله عنه ..
وهكذا لو قطع التنازع فيها وسلمها أحدهما إلى الآخر لم تستقر إمامته إلا ببينة تشهد بتقدمه ..
ولو أقر له بالتقدم خرج منها المقر ولم تستقر للآخر لأنه مقر في حق المسلمين .. فإن شهد له المقر بتقدمه فيها مع شاهد آخر سمعت شهادته إن ذكر اشتباه الأمر عليه عند التنازع ولم يسمع منه إن لم يذكر الاشتباه لما في القولين من التكاذب ..
وإذا دام الاشتباه بينهما بعد الكشف ولم تقم بينة لأحدهما بالتقدم لم يقرع بينهما لأمرين:
أحدهما: أن الإمامة عقد والقرعة لا مدخل لها في العقود ..
والثانى: أن الإمامة لا يجوز فيها .. والقرعة لا مدخل لها فيما لا يصح الاشتراك فيه كالنكاح وتدخل فيما يصح فيه الاشتراك كالأموال. ويكون دوام هذا الاشتباه مبطلا لعقدى الإِمامة فيهما .. ويستأنف أهل الاختيار عقدها لأحدهما .. فلو أرادوا العدول بها عنهما إلى غيرهما .. فقد قيل بجوازه لخروجهما عنها ..
وقيل: لا يجوز لأن البيعة لهما قد صرفت الإمامة عمن عداهما، ولأن الاشتباه لا يمنع ثبوتها في أحدهما ..
وأما انعقاد الإمامة بعهد من قبله فهو مما انعقد الإِجماع على جوازه ووقع الاتفاق على صحته لأمرين عمل المسلمون بهما ولم يتناكروهما:
الأول: أن أبا بكر - رضى الله عنه - عهد بها إلى عمر - رضى الله عنه - فأثبت المسلمون إمامته بعهده ..
الثاني: أن عمر - رضى اللّه عنه - عهد بها إلى أهل الشورى فقبلت الجماعة دخولهم فيها وهم أعيان العصر اعتقادا لصحة العهد بها وخرج باقى الصحابة منها .. وقال على للعباس - رضى الله عنهما - حين عاتبه على الدخول في الشورى كان أمرًا عظيما من أمور الإِسلام لم أر لنفسى الخروج منه فصار العهد بها إجماعًا في انعقاد الإِمامة فإذا أراد الإمام أن يعهد بها فعليه أن يجتهد رأيه في الأحق بها والأقوم بشروطها فإذا