تعين الاجتهاد في واحد نظر فيه .. فإن ثم يكن ولدا ولا والدًا جاز أن ينفرد بعقد البيعة له وبتفويض العهد إليه وإن لم يستشر فيه أحدا من أهل الاختيار .. لكن اختلفوا .. هل يكون ظهور الرضا منهم شرطا في انعقاد بيعته أولا ..
فذهب بعض علماء أهل البصرة إلى أن رضا أهل الاختيار ببيعته شرط في لزومها للأمة لأنها حق يتعلق بهم فلم تلزمهم إلا برضا أهل الاختيار منهم .. والصحيح أن بيعته منعقدة وأن الرضا بها غير معتبر لأن بيعة عمر - رضى اللّه عنه - لم تتوقف على رضا الصحابة .. ولأن الإِمام القائم أحق بها فكان اختياره فيها أمضى وقوله فيها أنفذ .. وإن كان ولى العهد ولدًا أو والدًا فقد اختلف في جواز انفراده بعقد البيعة له على ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول: لا يجوز أن ينفرد بعقد البيعة لولد ولا لوالد حتى يشاور فيه أهل الاختيار فيرونه أهلا لها فيصح منه حينئذ عقد البيعة له لأن ذلك منه تزكية له يجرى مجرى الشهادة .. وتقليده على الأمة يجرى مجرى الحكم وهو لا يجوز أن يشهد لوالد ولا لولد ولا يحكم لواحد منهما للتهمة العائدة إليه بما جبل من الميل إليه ..
الثاني: يجوز أن ينفرد بعقدها لولد ووالد لأنه أمير الأمة، نافذ الأمر لهم وعليهم فغلب حكم المنصب على حكم النسب ولم يجعل للتهمة طريقا على أمانته ولا سبيلا إلى معارضته .. وصار فيها كعهده بها إلى غير ولده ووالده ..
وهل يكون رضا أهل الاختيار بعد صحة العهد معتبرا في لزومه للأمة أولا .. على ما قدمناه من الوجهين ..
الثالث: أنه يجوز أن بنفرد بعقد البيعة لوالده ولا يجوز أن ينفرد بها لولده لأن الطبع يبعث على ممايلة الولد أكثر مما يبعث على ممايلة الوالد ..
ولذلك كان كل ما يقتضيه في الأغلب مذخورًا لولده دون والده .. فأما عقدها لأخيه ومن قاربه من عصبته ومناسبيه فكعقدها للبعداء الأجانب في جواز تفرده بها ..
وإذا عهد الإِمام بالخلافة إلى من يصح العهد إليه على الشروط المعتبرة فيه كان العهد موقوفا على قبول المولى .. واختلف في زمان قبوله ..
فقيل بعد موت المولي في الوقت الذي يصح فيه نظر المولي ..
وقيل: وهو الأصح - إنه ما بين عهد المولى وموته لتنتقل عنه الإِمامة إلى المولى مستقرة بالقبول المتقدم وليس للإمام المولى عزل من عهد إليه ما لم يتغير حاله.
وإن جاز له عزل من استنابه من سائر خلفائه لأنه مستخلف لهم في حق نفسه فجاز له عزلهم وهو مستخلف لولى عهده في حق المسلمين فلم يكن له عزله كما لم يكن لأهل الاختيار عزل من بايعوه إذا لم يتغير حاله.
فلو عهد الإِمام بعد عزل الأول إلى ثان كان عهد الثاني باطلا والأول على بيعته .. فإن خلع الأول نفسه لم يصح بيعة الثاني حتى يبتدئ وإذا استعفى ولى العهد لم يبطل عهده بالاستعفاء حتى يعنى للزومه من جهة المولى ..
ثم نظر فإن وجد غيره جاز استعفاؤه وخرج من العهد بإجماعهما على الاستعفاء والإعفاء .. وإن لم يوجد غيره لم يجز استعفاؤه