أحبابا وأصحابا وأعوانا وأنصارا وأختانا وأصهارا مع علمه بحالهم في ابتدائهم ومآلهم .. بل في كتاب الله تعالى حيث أثنى عليهم وجعلهم خير أمة ووصفهم بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ..
ومن مكابرات الروافض ادعاؤهم تواتر هذا النص قرنا بعد قرن مع أنه لم يشتهر فيما بين الصحابة والتابعين .. ولم يثبت ممن يوثق به من المحدثين مع شدة ميلهم إلى أمير المؤمنين ونقلهم الأحاديث الكثيرة في مناقبه وكمالاته في أمر الدنيا والدين .. ولم ينقل عنه - رضي الله عنه - في خطبه ورسائله ومفاخره إشارة إلى ذلك وابن جرير الطبرى مع اتهامه بالتشيع لم يذكر في روايته قصة الدار الزيادة التي يدعيها الشيعة .. وهى قوله - صلى الله عليه وسلم - أنه خليفتى فيكم من بعدى ..
الطريق الثاني: روايات وأمارات ربما تفيد باجتماعها القطع بعدم النص من الرسول على إمام بعده .. وهى كثيرة لقول العباس لعلى - رضى الله عنهما -: أمدد يدك أبايعك .. فيقول الناس: هذا عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بايع ابن عمه فلا يختلف عليك اثنان ..
وقول عمر - رضى الله عنه - لأبى عبيدة - رضى الله عنه -: أمدد يدك أبايعك .. وقول أبى بكر - رضي الله عنه - في السقيفة: بايعوا عمر أو أبا عبيدة .. وقوله: وددت أنى سألت النبى - صلى الله عليه وسلم - عن هذا الأمر فيمن هو ركنا لا ننازعه .. وكدخول على - رضى الله عنه - في الشورى .. فإنه رضاء منه بإمامة أيهم كان ..
وقد احتج المخالف بأنه يستحيل عادة من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يهمل مثل هذا الأمر الجليل وقد بين ما هو بالنسبة إليه أقل من القليل .. والجواب أن ترك النص الجلى على واحد بالتعيين ليس إهمالا .. بل تفويض معرفة الأحق الأليق إلى آراء أولى الألباب واختيار أهل الحل والعقد من الأصحاب وأنظار ذوى البصيرة بمصالح الأمور وتدبير سياسة الجمهور مع التنبيه على ذلك بخفيف الإِشارة ولطيف العبارة - نوع بيان لا يخفى حسنة على أهل العرفان ..
وجاء في الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم الظاهرى (١): قد اختلف الناس في الإِمامة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل استخلف إماما بعده أو لا؟ ..
فقالت طائفة: أن النبى - صلى الله عليه وسلم - لم يستخلف أحدًا ثم اختلفوا فقال بعضهم: لكن لما استخلف أبا بكر - رضي الله عنه - في الصلاة في مرضه كان ذلك دليلا على أنه أولاهم بالإِمامة والخلافة على الأمور .. وقال بعضهم: لا.
ولكن كان أبينهم فضلا فقدموه لذلك .. وقالت طائفة: بل نص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على استخلاف أبى بكر بعده على أمور الناس نصا جليا ..
قال أبو محمد: وبهذا نقول البراهين:
أحدها: أطباق الناس كلهم وهم الذين قال الله تعالى فيهم: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} فقد أطبق هؤلاء الذين شهد اللّه لهم بالصدق وجميع إخوانهم من الأنصار - رضى اللّه عنهم - على أن سموه خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ومعنى الخليفة في اللغة هو الذي يستخلفه لا الذي يخلفه دون أن يستخلفه هؤلاء يجوز غير هذا البتة في اللغة بلا خلاف: نقول: استخلف
(١) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم الظاهرى جـ ٤ ص ٨٧ وما بعدها طبع محمد على صبيح.