للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالتصرف باسم الموكل في حدود ما رسم للوكيل وإذنه بالتصرف فيه ..

وهو عقد مؤقت مشروط فهو خاضع لرقابة الأصيل فإن رأى الوكيل ملتزما للشروط المحددة ورأى استمرار العقد في صالحه أبقى الوكيل إن شاء الله .. وإن رأى الوكيل قد جانب الشرط وخرج من العهدة عزله إن شاء الله إذا لم ينعزل هو من نفسه ..

لهذا اتفق فقهاء الإسلام على أن الحاكم وكيل عن الأمة خاضع لرقابتها .. ولها عليه سلطان التولية والعزل والتوجيه ..

ولكل فرد من أفرادها حق أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر .. وهى السلطة الكبرى التي جعلها الله لأدنى المسلمين يقرع بها أنف أعلاهم كما يقول الأستاذ محمد عبده في كتابه "الإِسلام والنصرانية".

ومما يقطع بصحة فكرة وكالة الحاكم عن الأمة وخضوعه لرقابتها وسلطانها أن جميع الفقهاء اعتبروه واحدًا من أفراد الأمة في كل تصرفاته وألزموه بمتالفه وجناياته.

فهو يؤخذ بالقصاص إذا قتل عامدًا أو ظالمًا .. ويلزم بالأموال التي يتلفها .. وتقطع يده إذا سرق .. ويجلد ويرجم إذا زنى .. يقول الإمام القفال من الشافعية .. إذا زنى الخليفة يقيم عليه الحد من ولى الحكم عنه وهو الأمة ..

ويقول الأستاذ الشيخ محمد عبده في كتابه "الإسلام والنصرانية" الذي أشار إليه الأستاذ محمود فياض: "الخليفة عن المسلمين ليس بالمعصوم ولا هو مهبط الوحى ولا من حقه الاستئثار بتفسير كتاب الله تعالى وسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو على هذا لا يخصه الدين في فهم الكتاب والسنة والعلم بالأحكام بمزية ولا يرتفع به إلى منزلة بل هو وسائر طلاب الفهم سواء … وإنما يتفاضلون بصفاء العقل وكثرة الإصابة في الحكم .. ثم هو مطاع ما دام على المححجة ونهج الكتاب والسنة .. والمسلمون له بالمرصاد فإذا انحرف عن النهج أقاموه عليه .. وإذا أعوج قوموه بالنصيحة والأعذار إليه ..

فالأمة ونائب الأمة هو الذي ينصبه .. والأمة هي صاحبة الحق في السيطرة عليه .. وهى التي تخلعه متى رأت ذلك من مصلحتها فهو حاكم .. وليس في الإِسلام سلطة دينية سوى سلطة الموعظة الحسنة والدعوة إلى الخير والتنفير من الشر .. وهى سلطة خولها الله لأدنى المسلمين يقرع بها أنف أعلاهم كما خولها لأعلاهم بتناول بها من هو أدناهم".

فالخليفة في الواقع ليس إلا فردًا من أفراد المسلمين لا يرتفع عن أحد منهم درجة ولا يخصه الدين بمزية .. ولكنه انفرد من بينهم بحمل أمورهم والنظر في مصالحهم .. فكان أثقلهم حملا وأعظمهم مسئولية أمام الله ..

والفقهاء يعتبرون المحليفة واحدًا من أفراد الأمة في كل تصرفاته التي تمس حقوق الغير أو تمتد إليه بسوء وفى كل أفعاله واعتداءاته .. فيلزم بالأموال التي يتلفها ويقام عليه الحد إذا ارتكب ما يوجبه .. ويخاصم ويحكم عليه عند الإثبات ..

وفى الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - الأسوة الحسنة والتشريع القائم الملزم .. وفى تاريخ الكامل لابن الأثير: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج في مرضه الأخير من حجرة عائشة رضى الله عنها إلى المسجد بين الفضل بن العباس وعلي بن أبي طالب رضى الله عنهما حتى جلس على المنبر فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم صلى على أصحاب أحد فاستغفر لهم ثم قال: "أيها الناس: من كنت جلدت له ظهرًا فهذا ظهرى فليستعذ منه .. ومن كنت