شتمت له عرضا .. فهذا عرضى فليستعذ منه .. ومن أخذت له مالا فهذا مالى فليأخذ منه ولا يخشى الشحناء من قلى .. فإنها ليست من شأنى .. ألا وأن أحبكم إليّ من أخذ منى حقا إن كان له أو حللنى فلقيت ربى وأنا طيب النفس ..
وفى سيرة عمر بن الخطاب رضى الله عنه لابن الجوزى أن رجلا قال لعمر .. اتق الله يا أمير المؤمنين .. فقيل له: أتقول لأمير المؤمنين اتق الله؟ فقال عمر: دعه فليقلها لى .. نعم ما قال - لا خير فيكم إن لم تقولوها .. ولا خير فينا إن لم نقبلها منكم.
ومما يروى عنه رضى الله عنه أيضًا: إنى لم أستعمل عليكم عمالى ليضربوا أبشاركم ويشتموا أعراضكم ويأخذوا أموالكم .. ولكنى استعمللهم ليعلموكم كتاب الله وسنة نبيكم فمن ظلمه عامله بمظلمته فليرفعها إلى حتى أقصه منه. فقال عمرو بن العاص - وكان والى مصر إذ ذاك - يا أمير المؤمنين! أرأيت إن أدب أمير المؤمنين رجلا من رعيته أتقصه منه؟ فقال عمر: ومالى لا أقصه منه وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقص من نفسه ..
ويثير كثير من الناس أسئلة واستنكارات في هذا الصدد استنادًا منهم إلى ما جرى عليه العمل في واقع الحياة في شأن الخلافة والخلفاء .. وهل عقد البيعة ما جرى عليه العمل في واقع الحياة في شأن الخلافة والخلفاء .. وهل عقد البيعة بمثابة عقد الوكالة .. أو هو يقتضى تمليكا من الأمة للخليفة يصبح به وقد ملك الخلافة وجلس على عرشها ولا يملك أحلى أن يعزله عنه .. بل ولا أن يعترض عليه .. ويسوقون في هذا المجال ما يروى أو يعزى إلى الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضى الله عنه حين طلب منه الثوار الآثمون أن يعزل نفسه - من أنه قال لهم - كيف أنزع قيمصا قمصنيه الله ..
والمقرر أنه لا حجة في عمل أحد من المسلمين إلا في عمل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وما جرت به سنة الخلفاء الراشدين ..
وما يروى عن عثمان رضى الله عنه إن صح .. فإنه أخذ فيه بحكم الله فيما يرى .. فقد قال الفقهاء .. إن عزل الخليفة نفسه من غير سبب فيه خلاف هل ينحل به عقد الإِمامة أو لا؟.
قال السعد التفتازانى في شرح المقاصد:
"وينحل عقد الإِمامة بما يزول به مقصود الإِمامة كالردة والجنون المطبق … وكذا بخلعه نفسه لعجزه عن القيام بمصالح المسلمين وإن لم يكن ظاهرًا بل استشعره في نفسه وعليه يحمل خلع الحسن رضى الله عنه نفسه .. وأما خلعه لنفسه بلا سبب ففيه خلاف … ".
فمن مذهب عثمان رضي الله عنه أن عزل الخليفة نفسه بدون سبب لا ينحل به عقد الإِمامة كما تشير إليه عبارته إن صحت ..
هذا .. وقد جاء في كتاب "الإِسلام وأصول الحكم" (١): "قد يظهر من تعريفهم للخلافة ومن سياحتهم فيها أنهم يعتبرون الخليفة مقيدا في سلطانه بحدود الشرع لا يتخطاها .. وأنه مطالب حتما بأن يسلك بالمسلمين سبيلا واحدة معينة من بين شتى السبل .. هي سبيل واضحة من غير لبس قد كشف الشرع الشريف عن مبادئها وغاياتها وأقام فيها إماراتها ووضع فيها منازل للسالكين فما كان لأحد أن يضل فيها ولا يشقى ..
(١) الإسلام وأصول الحكم للمغفور له الأستاذ على عبد الرازق جـ ٥ وما بعدها طبع مطبعة مصر الطبعة الثالثة سنة ١٩٢٥ م.