للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما أمر على والحسين مع معاوية رضى الله عنه فقد صح عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه أنذر بخارجة تخرج من طائفتين من الأمة بقتلها أولى الطائفتين بالحق - فكان قاتل تلك الطائفة الخارجة عليًّا رضى الله عنه فهو صاحب الحق بلا شك وكذلك أنذر عليه الصلاة والسلام بأن عمارًا تقتله الفئة الباغية - وقد قتل رضى الله عنه بصفين من أهل الشام بعسكر معاوية رضى الله عنه وقاتله أبو العادية يسار بن سبع السلمى قتله متأولا.

فصح أن عليا هو صاحب الحق وكان السلمى هو السابق إلى الإمامة فصح أنه صاحبها وأن من نازعه فيها فهو مخطئ .. فمعاوية رحمه الله مخطئ مأجور مرة لأنه مجتهد ولا حجة في خطأ المجتهد المخطئ فبطل قول هذه الطائفة ..

وأيضا فإن قول الأنصار رضى الله عنهم "منا أمير ومنكم أمير" يخرج على أنهم أرادوا أن يلى الخلافة وال منهم .. فإذا مات أو عزل .. ولى من المهاجرين وال بدله وهكذا أبدا .. لا على أن يكون إمامان في وقت واحد .. وهذا هو الأظهر من كلامهم ..

وأما على ومعاوية رضى الله عنهما فما سلم قط أحدهما للآخر .. بل كل واحد منهما يرى أنه المحق .. وكذلك كان الحسن رضى الله عنه إلى أن أسلم الأمر إلى معاوية .. فإذ هذا كذلك .. فقد صح الإجماع على بطلان قول ابن كرام وأبى الصباح وبطل أن يكون لهم تعلق في شيء أصلا ..

وجاء في كتاب الأحكام السلطانية للقاضى أبى الحسن الماورى (١): "وإذا عقدت الإِمامة لإمامين في بلدين لم تنعقد إمامتهما لأنه لا يجوز أن يكون للأمة إمامان في وقت واحد .. وإن شذ قوم فجوزوه .. واختلف الفقهاء في الإِمام منهما ..

فقالت طائفة: هو الذي عقت له الإمامة في البلد الذي مات فيه من تقدمه لأنهم بعقدها أخص وبالقيام بها أحق ..

وعلى كافة الأمة في الأمصار كلها أن يفوضوا عقدها إليهم ويسلموها لمن بايعوه لئلا ينتشر الأمر باختلاف الآراء وتباين الأهواء ..

وقال آخرون: بل على كل واحد منهما أن يدفع الإمامة عن نفسه ويسلمها إلى صاحبه طلبا للسلامة وحسما للفتنة ليختار أهل الحل والعقد أحدهما أو غيرهما ..

وقال آخرون: بل يقرع بينهما دفعا للتنازع وقطعا للتخاصم فأيهما قرع كان بالإمامة أحق .. والصحيح في ذلك وما عليه الفقهاء المحققون أن الإمامة لأسبقهما عقدا وبيعة كالوليين في نكاح المرأة إذا زوجاها باثنين كل واحد منهما في عقد كان النكاح لأسبقهما عقدا .. فإذا تعين السابق منهما استقرت له الإِمامة وعلى المسبوق تسليم الأمر إليه والدخول في بيعته ..

وإن عقدت الإمامة لهما في حال واحد لم يسبق بها أحدهما فسد العقدان واستؤنف العقد لأحدهما أو لغيرهما .. وإن تقدمت بيعة أحدهما وأشكل المتقدم منهما وقف أمرهما على الكشف .. فإن تنازعاها وادعى كل واحد أنه الأسبق لم تشمع دعواه ولم يحلف عليها لأنه لا يختص بالحق فيها وإنما هو حق المسلمين جميعا فلا حكم ليمينه فيه ولا لنكوله عنه ..

وهكذا لو قطع التنازع فيها وسلمها أحدهما