للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طالب .. وبلغنا عن بعض بنى الحارث بن عبد المطلب أنه كان يقول:

لا تجوز الخلافة إلا في بنى عبد المطلب خاصة .. ويراها في جميع ولد عبد المطلب وهم أبو طالب وأبو لهب والحارث والعباس .. وبلغنا عن رجل كان بالأردن يقول: لا تجوز الخلافة إلا في بنى أمية بن عبد شمس .. وكان له في ذلك تأليف مجموع .. وألف رجل من ولد عمر بن الخطاب كتابا يمنح فيه بأن الخلافة لا تجوز إلا لولد أبى بكر وعمر رضى الله عنهما ..

قال أبو محمد: فأما هذه الفرق فما وجدنا لهم شبهة يستحق أن يشتغل بها إلا دعاوى كاذبة لا وجه لها .. وإنما الكلام مع الذين يرون الأمر لولد العباس أو لولد على بن أبى طالب فقط لكثرة عددهم ..

احتج من ذهب إلى أن الخلافة لا تجوز إلا في ولد العباس فقط بأن العباس عصب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووارثه .. فإذا كان ذلك كذلك .. فقد ورث مكانه .. وهذا ليس بشئ لأن ميراث العباس رضى الله عنه لو وجب لكان ذلك في المال خاصة .. وأما المرتبة فما جاء قط في الديانات أنها تورث .. فبطل هذا التمويه جملة ..

ولو جاز أن تورث المراتب لكان من ولاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مكانا ما إذا مات وجب أن يرث تلك الولاية عاصبة ووارثه وهذا ما لا يقولون به ..

فكيف وقد صح بإجماع جميع أهل القبلة حاشا الروافض أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة ..

فإن اعترض معترض بقول الله عز وجل: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} وبقوله حاكيا عن زكريا عليه السلام أنه قال: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} .. فكأن الآيتين تدلان على ميراث الأنبياء في المال ..

والجواب عن الأذلي أن سليمان قد صار نبيا كأبيه وليس أنه ورثه في المال إذا الثابت تاريخيا أنه كان لأبيه أولاد كثيرون غيره .. وعن الثانية بأن زكريا إنما دعى ربه وطلب ولدًا نبيًا لا ولدًا يرثه في المال .. بدليل قوله بعد ويرث من آل يعقوب ..

وأيضًا فإن العباس رضى الله عنه لم يكن محيطا بميراث النبي - صلى الله عليه وسلم - .. وإنما كان يرث ثلاثة أثمان .. أما ميراث المرتبة فقد كان العباس حيا وقت موت النبي - صلى الله عليه وسلم - فما أدعى لنفسه حقا ولا إرثا في المرتبة أو في غيرها لا حينئذ ولا بعد ذلك وجاءت الشورى في عهد عمر ولم يذكر فيها ولم ينكر هو ولا غيره ترك ذكره فيها.

فصح أن هذا رأى محدث فاسد لا يصح الاشتغال به .. ولم يثر الخلفاء من أولاده والأفاضل منهم في خلافة العباسيين هذه الدعوة ترفعا واعتقادًا بوهنها وسقوطها ..

وجاء في كتاب الأحكام السلطانية للقاضى أبى الحسن الماوردى (١) فإذا ثبت وجوب الإِمامة ففرضها على الكفاية كالجهاد وطلب العلم .. فإذا قام بها من هو من أهلها سقط فرضها عن الكافة .. وإذا لم يقم بها أحد خرج من الناس فريقان:

الأول: أهل الاختيار حتى يختاروا إماما للأمة.

والثانى: أهل الإمامة حتى ينتصب أحدهم للإمامة ..


(١) الأحكام السلطانية للقاضى أبى الحسن الماوردى ص ٥ وما بعدها.