للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليس على من عدا هذين الفريقين من الأمة في تأخير الإمامة حرج ولا مأثم .. وإذا تميز هذان الفريقان من الأمة في فرض الإمامة وجب أن يعتبر كل فريق منهما بالشروط المعتبرة فيه .. فأما أهل الاختيار فالشروط المعتبرة فيهم ثلاثة:

الأول: العدالة الجامعة لشروطها ..

الثاني: العلم الذي يتوصل به إلى معرفة من يستحق الإمامة على الشروط المعتبرة فيها ..

الثالث: الرأى والحكمة المؤديان إلى اختيار من هو للإمامة أصلح .. وبتدبير المصالح أقوم وأعرف ..

وليس لمن كان في بلد الإمام على غيره من أهل البلاد فضل مزية يتقدم بها عليه .. وإنما صار من يحضر ببلد الإمام متوليا لعقد الإمامة عرفا لا شرعا لسبق علمهم بموته .. ولأن من يصلح للخلافة في الأغلب موجودون في بلده ..

وأما أهل الإمامة .. فالشروط المعتبرة فيهم سبعة:

الأول: العدالة على شروطهما الجامعة.

وقد قال في ولاية القضاء (١) في شروط ولاية القاضي: والعدالة .. وهى معتبرة في كل ولاية بأن يكون صادق اللهجة .. ظاهر الأمانة. عفيفا عن المحارم .. متوقيا المآثم .. بعيدا عن الريب .. مأمونا في الرضا. والغضب .. مستعملا لمروءة مثله في دينه ودنياه .. فإذا تكاملت في الشخص فهى العدالة التي تجوز بها شهادته .. وتصح بها ولايته .. وإن انخرم منها وصف منع من الشهادة والولاية .. فلم يسمع له قول .. ولم ينفذ له حكم .. وهذه هي شروط العدالة الجامعة ..

الثاني: العلم المؤدى إلى الاجتهاد في النوازل والأحكام.

الثالث: سلامة الحواس من السمع والبصر واللسان ليصح معها مباشرة ما يدرك بها ..

الرابع: سلامة الأعضاء من نقص يمنع عن استبطاء الحركة وسرعة النهوض.

الخامس: الرأى المفضى إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح.

السادس: الشجاعة والنجدة المؤدية إلى حماية البيضة وجهاد العدو.

السابع: النسب .. وهو أن يكون من قريش لورود النص فيه .. وانعقاد الإجماع عليه .. ولا اعتبار بضرار حين شذ فجوزها في جميع الناس لأن أبا بكر الصديق رضى الله عنه احتج يوم السقيفة على الأنصار في دفعهم عن الخلافة لما بايعوا سعد بن عبادة عليها يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الأئمة من قريش، فأقلعوا عن التفرد بها ورجعوا عن المشاركة فيها حين قالوا:"منا" أمير ومنكم أمير" - تسليما لروايته وتصديقا لخبره ورضوا بقوله: نحن الأمراء وأنتم الوزراء وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قدموا قرشًا ولا تقدموها، وليس مع هذا النص المسلم شبهة النازع فيه ولا قول لمخالف له.

وجاء في مقدمة ابن خلدون المعروفة (٢) في الفصل السادس والعشرين في اختلاف الأمة في حكم منصب الخلافة وشروطه: "وإذا تقرر أن نصب الخليفة واجب بإجماع فهو من فروض


(١) ولاية القضاء من الأحكام السلطانية للقاضى أبى الحسن الماوردى ص ٦٩.
(٢) مقدمة ابن خلدون ص ١٧٢ طبع كتاب الشعب.