الكفاية وراجع إلى اختيار أهل الحل والعقد فيتعين عليهم نصبه .. ويجب على الخلق جميعا طاعته لقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}.
وأما شروط هذا المنصب فهى أربعة: العلم والعدالة والكفاية وسلامة الحواس والأعضاء مما يؤثر في الرأى والعمل .. واختلف في شرط خامس وهو النسب القرشى ..
فأما اشتراط العلم فظاهر لأنه إنما يكون منفذا لأحكام الله تعالى إذا كان عالما بها .. وما لم يعلمها لا يصح تقديمه لها .. ولا يكفى من العلم إلا أن يكون مجتهدا لأن التقليد نقص ..
وأما شرط العدالة فلأنه منصب ديني ينظر في سائر المناصب التي هي شرط فيها فكان أولى باشتراطها فيه ..
ولا خلاف في انتفاء العدالة بفسق الجوإرح بارتكاب المحظورات وأمثالها .. أما انتفاؤها بالبدع الاعتقادية فهو محل خلاف ..
وأما الكفاية: فهو أن يكون جريئا على إقامة الحدود واقتحام الحروب بصيرا بها كفيلا بحمل الناس عليها عارفا بالعصبية وأحوال الدهاء .. قويا على معاناة السياسة ليصح له بذلك ما جعل إليه من حماية الدين وجهاد العدو وإقامة الأحكام وتدبير المصالح ..
وأما سلامة الحواس والأعضاء من النقص والعطلة كالجنون والعمى والصمم والخرس وما يؤثر فقده من الأعضاء في العمل كنقد اليدين والرجلين والانثيين فنشترط السلامة منها كلها لتأثير ذلك في تمام عمله وقيامه بما جعل إليه ..
وإن كان إنما يشين في النظر فقط كفقد إحدى هذه الأعضاء فشرط السلامة منها شرط كمال ..
ويلحق بفقدان الأعضاء المنع من التصرف ..
وهو ضربان:
ضرب يلحق بهذه في كون اشتراط السلامة ومنه شرط وجوب وهو القهر والعجز عن التصرف جملة بالأسر وشبهه ..
وضرب لا يلحق بهذه وهو الحجر باستيلاء بعض أعوانه عليه من غير عصيان ولا مشاقَّة .. فينتقل النظر في حال هذا المتولى .. فإن جرى على حكم الدين والعدل وحميد السياسة جاز قراره وإلا استنصر المسلمون بمن يقبض يده عن ذلك ويدفع علته حتى ينفَّد فعل الخليفة ..
وأما النسب القرشى فلإجماع الصحابة يوم السقيفة على ذلك .. فقد احتجت قريش على الأنصار - لما همَّوا يومئذ ببيعة سعد بن عبادة .. وقالوا: منا أمير ومنكم أمير - يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الأئمة من قريش" وبأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصانا بأن نحسن إلى محسنكم ونتجاوز عن مسيئكم ..
ولو كانت الإمارة فيكم لم تكن الوصية بكم فحجوا الأنصار بذلك ورجع الأنصار عن قولهم: "منا أمير ومنكم أمير" وعدلوا عما كانوا همّوا به من بيعة سعد بن عبادة لما ذكره المهاجرون من الحجج ..
وثبت أيضا في الصحيح، لا يزال هذا الأمر في هذا الحى من قريش" وأمثال هذه الأدلة كثيرة .. إلا أنه لما ضعف أمر قريش وتلاشت عصبيتهم بما نالهم من الترف والنعيم وبما فرقتم الدولة في سائر أقطار الأرض عجزوا بذلك عن حمل الخلافة.
وتغلب عليهم الأعاجم .. وصار الحل والعقد