للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المصرحة بأنه لا سمع ولا طاعة في المعصية وقال في حديث عبادة بن الصامت .. إن معنى الكفر البواح بفتح الباء - الكفر الظاهر. والمراد بالكفر هنا المعصية .. ومعنى عندكم من الله فيه برهان أنكم تعلمون أنه معصية محققة من قواعد الإسلام.

وجاء في كتاب الأحكام السلطانية للقاضى أبى الحسن الماوردى (١): ولو شرط المُوَليَّ وهو حنفى أو شافعى على من ولاه القضاء ألا يحكم إلا بمذهب الشافعي أو أبى حنيفة .. فهذا على ضربين:

الضرب الأول: أن يشترط ذلك عموما في جميع الأحكام فهذا شرط باطل سواء كان موافقا لمذهب المُوَلَّى أو مخالفا له .. وأما صحة الولاية فإن لم يحيله شرطا فيها وأخرجه مخرج الأمر أو مخرج النهى وقال: قد قلدتك القضاء فاحكم بمذهب الشافعي رحمه الله على وجه الأمر .. أو لا تحكم بمذهب أبى حنيفة على وجه النهى كانت الولاية صحيحة والشرط فاسدا سواء تضمن أمرًا أو نهيا ويجوز أن يحكم بما أداه اجتهاده إليه سواء وافق شرطه أو خالفه ..

ويكون اشتراط الولى لذلك قدحا فيه إن علم أنه اشترط ما لا يجوز .. ولا يكون قدحا إن جهل لكن لا يصح مع الجهل أن يكون موليا ولا واليًا .. فإن أخرج ذلك مخرج الشرط في عقد الولاية فقال: قد قلدتك القضاء على أن لا تحكم فيه إلا بمذهب الشافعي أو بقول أبى حنيفة .. كانت الولاية باطلة لأنه عقدها وعلقها على شرط فاسد .. وقال أهل العراق: تصح الولاية ويبطل الشرط ..

الضرب الثاني: أن يكون الشرط خاصا بحكم بعينه .. فلا يخلو الشرط من أن يكون أمرًا أو نهيًا .. فإن كان أمرًا بأن قال له: أقد من العبد بالحر .. ومن المسلم بالكافر واقتص في القتل بغير المحدد كان أمره بهذا الشرط فاسدا .. ثم إن جعله شرطا في عقد الولاية فسدت .. وإن لم يجعله شرطا فيها صحت وحكم في ذلك بما يؤديه اجتهاده إليه …

وإن كان نهبًا فهو على ضربين:

الضرب الأول: أن ينهاه عن الحكم في قتل المسلم بالكافر والحر بالعبد .. ولا يقضى فيه بوجوب قود ولا بإسقاطه فهذا جائز لأنه اقتصر بولايته على ما عداه فصار ذلك خارجا عن نظره.

الضرب الثاني: ألا ينهاه عن الحكم وينهاه عن القضاء بالقصاص ..

فقد اختلف أصحابنا في هذا النهى هل يوجب صرفه عن النظر فيه على وجهين:

الأول: أن يكون صرفا عن الحكم فيه وخارجا عن ولايته فلا يحكم فيه بإثبات فرد ولا بإسقاطه ..

الثاني: أنه لا يقتضى الصرف عنه ويجرى عليه حكم الأمر به ويثبت صحة النظر إن لم يجعله شرطا في التقليد ويحكم فيه بما يؤديه اجتهاده إليه ..

ويجوز (٢) أن يكون القاضي عام النظر خاص العمل فيقلد النظر في جميع الأحكام في أحد جانبى البلد أو في محلة منه .. فينفذ جميع أحكامه في الجانب الذي قلده والمحلة التي عينت له وينظر فيه بين ساكنيه والطارئين إليه لأن


(١) الأحكام السلطانية للماوردى ص ٦٨ الطبعة الثانية مطبعة مصطفى الحلبى سنة ١٩٦٦ م.
(٢) الأحكام السلطانية للماوردى ص ٧٢، ٧٣.