لأنه يكون معزولا بالنسبة للحكم بغيره من المذاهب ..
وفى الدر المختار أيضًا - لو أمر السلطان بعدم سماع الدعوى بعد خمس عشرة سنة لا تسمع ولو سمعها قاض لا ينفذ حكمه .. وعلق ابن عابدين فى الحاشية على ذلك بقوله: وذلك في الدعاوى التي مضى عليها خمس عشرة سنة دون أن يطالب صاحب الحق بحقه أمام القضاء مع تمكنه من الدعوى به وعدم العذر والشرع المانع من إقامة الدعوى وإنكار من عليه الحق للحق في تلك المدة .. وسبب هذا النهى قطع الحيل والتزوير ودرء الشر والفساد وإذ أن سكوت الشخص عن طلب حقه طول هذه المدة مع توفر ما ذكر يدل على عدم الحق ظاهرًا .. وهذا إسقاط لحق المطالبة والإدعاء .. أما الحق نفسه فلا يسقط مطلقا مهما طال الزمن .. ولهذا أوجبوا على السلطان أن يسمع هذه الدعوى التي نهى القضاة عن سماعها بنفسه أو يأمر قاضيا بسماعها لكيلا يضيع الحق على صاحبه ..
ويقول ابن عابدين: إن هذا إذا لم يظهر من المدعى أمارة التزوير فلو ظهرت منه أمارة التزوير فلا يسمعها السلطان ولا غيره وليس عليه من إثم في هذه الحالة ..
أما ما قرره الفقهاء من عدم سماع دعوى الوقف والإِرث بعد مضى ثلاث وثلاثين سنة في الأظهر فهو بمقتضى الحكم الفقهى لا بمقتضى النهى السلطانى ..
هذه هي النصوص والأحكام والآراء التي أمكن جمعها في موضوع "طاعة ولى الأمر" وبالنظر والتأمل فيها يمكن القول بما يأتى:
أن الجمهور كما عبر القرطبي في التفسير أو جماهير السلف والخلف من المفسرين والفقهاء وغيرهم على أن المراد بأولى الأمر في قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (الأمراء والولاة) وأن الله تعالى قد أوجب طاعتهم وامتثال أوامرهم في المعروف وما لا معصية لله فيه ..
وكانت الغاية والقصد منه تحقيق مصلحة الأمة وتوفير الخير لها ..
وأن العلماء قد أجمعوا على وجوب طاعة أولى الأمر في غير معصية على التفصيل والبيان الذي قرروه في ذلك وعلى تحريم طاعتهم في المعصية عملا بالحديث الشريف: "لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف". صرح بذلك النووى في شرح مسلم ونقل الإجماع على ذلك القاضي عياض وآخرون وأن ولاة الأمور إذا أمروا بما أوجبه الله تعالى كالأمر بأداء الزكاة أو نهوا عما حرمه الله تعالى كالنهى عن الزنا والسرقة والقذف ..
لم يكن أمرهم ولا نهيهم إلا حملا على القيام بما أوجبه الله على اجتناب ما نهى عنه وأنهم لم يأتوا في ذلك بإيجاب ولا تحريم وأن الطاعة في ذلك لله رب العالمين ..
وإذا كان أمرهم - أمرًا أو نهيًا - فيما اختلف الفقهاء المجتهدون في حكمه بأن قال بعضهم أنه واجب أو معصية ..
وقال البعض الآخر إنه ليس بواجب أو ليس بمعصية كالوصية من الشخص لفرع من مات من أولاده حال حياته إذا لم يكن هؤلاء الفروع وارثين في تركة أصلهم الموصى ..
يرى بعض الفقهاء المجتهدين أن هذه الوصية واجبة وأن حكم الوجوب ما يزال قائما على شروط وقيود وتفصيلات ليس مجال الحديث