للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الظهر فإنما ذلك بلا شك إذا تولى الإِمام ذلك بحق .. وهذا ما لا شك فيه أنه فرض علينا الصبر له ..

وإن امتنع الإِمام من ذلك بل من ضرب رقبته إن وجب عليه فإنه يكون فاسقا عاصيا لله تعالى بتعطيل حكمه ..

وأما إن كان ذلك بباطل فمعاذ الله أن يأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصبر على ذلك .. برهان ذلك قول الله عز وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} وقد علمنا أن كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يخالف كلام ربه تعالى. قال الله عز وجل: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} وقال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} فصح أن كل ما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو وحى من عند الله عز وجل لا اختلاف فيه ولا تعارض ولا تناقض …

فإذا كان هذا كذلك فيقين لا شك فيه يدرى كل مسلم أن أخذ مال مسلم أو ذمى بغير حق وضرب ظهره بغير حق إثم وعدوان وحرام .. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم" فإذا لا شك في هذا ولا اختلاف من أحد من المسلمين .. فالمسلم ماله للأخذ ظلمًا وظهره للضرب ظلما وهو يقدر على الامتناع من ذلك بأى وجه أمكنه - معاون لظالمه على الإثم والعدوان .. وهذا حرام بنص القرآن ..

وأما سائر الأحاديث التي ذكرنا وقصة ابنى آدم فلا حجة في شئ منها .. أما قصة ابنى آدم فتلك شريعة أخرى غير شريعتنا .. قال الله عز وجل: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا .. " وأما الأحاديث فقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله: "ومن رأى منكم منكرًا فليغيره بيده إن استطاع فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإِيمان" ليس وراء ذلك من الإيمان شئ .. وصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا طاعة في معصية .. إنما الطاعة في الطاعة .. وعلى أحدكم السمع والطاعة ما لم يؤمر بمعصية .. فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" وأنه عليه الصلاة والسلام قال: "من قتل دون ماله فهو شهيد .. والمقتول دون دينه شهيد والمقتول دون مظلمة شهيد .. " وقال عليه الصلاة والسلام: "لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليعمنكم الله بعذاب من عنده" فكان ظاهر هذه الأخبار معارضا لظاهر الأخبار الأخرى .. فصح أن إحدى هاتين الجملتين ناسخة للأخرى ولا يمكن غير ذلك .. فوجب النظر في أيهما هو الناسخ فوجدنا تلك الأحاديث التي منها النهى عن القتال موافقة لمعهود الأصل ..

ولما كانت عليه الحال في أول الإِسلام بلا شك .. وكانت هذه الأحاديث الأخرى التي فيها الأمر بالقتال واردة بشريعة زائدة وهى القتال .. وهذا ما لا شك فيه .. فقد صح نسخ معنى تلك الأحاديث ورفع حكمها حين نطق - صلى الله عليه وسلم - بهذه الأحاديث الأخرى بلا شك.

فمن المحال المحرم أن يؤخذ بالمنسوخ ويترك الناسخ وأن يؤخذ الشك ويترك اليقين .. ومن ادعى أن هذه الأخبار بعد أن كانت هي الناسخة فعادت منسوخة - فقد ادعى الباطل وقفا ما ليس له به علم فقال على الله ما لم يعلم .. وهذا لا يحل.

ولو كان هذا لما أخلا الله عز وجل هذا الحكم عن دليل وبرهان يبين به رجوع المنسوخ ناسخا لقوله تعالى: {الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}