للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبرهان آخر وهو أن الله عز وجل قال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} لم يختلف مسلمان في أن هذه الآية التي فيها فرض قتال الفئة الباغية محكمة غير منسوخة فصح أنها الحاكمة في تلك الأحاديث فما كان موافقا لهذه الآية فهو الناسخ الثابت .. وما كان مخالفا فهو المنسوخ المرفوع ..

وقد ادعى قوم أن هذه الآية وهذه الأحاديث في اللصوص دون السلطان .. قال أبو محمد: هذا باطل بيقين لأنه قول بلا برهان .. وما يعجز مدع أن يدَعى في تلك الأحاديث أنها في قوم دون قوم .. وفى زمان دون زمان .. والدعوى دون برهان لا تصح ..

وتخصيص النصوص بالدعوى لا يجوز لأنه قول على الله تعالى بلا علم ..

وقد جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن سائلا سأله عمن طلب ماله بغير حق .. فقال عليه الصلاة والسلام: لا تعطه .. قال: فإن قاتلنى؟ قال: قاتله .. قال: فإن قتلته؟ قال: إلى النار .. قال: فإن قتلنى؟ قال: فأنت في الجنة .. أو كلاما هذه معناه ..

وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: المسلم أخو المسلم لا يسلبه ولا يظلمه .. وقد صح أنه عليه الصلاة والسلام قال في الزكاة: من سألها على وجهها فلا يعطها ومن سألها على غير وجهها فلا يعطيها.

وهذا خبر ثابت رويناه من طريق الثقات عن أنس بن مالك عن أبى بكر الصديق عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. وهذا يبطل تأويل مَنْ تأول أحاديث القتال عن المال على أنه وارد في اللصوص دون السلطان .. لأن اللصوص لا يطلبون الزكاة وإنما يطلبها السلطان .. فاقتصر عليه السلام معها على ما إذا سألها على غير ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - .. ولو اجتمع أهل الحق ما قاومهم أهل الباطل ..

قال أبو محمد: وما اعترضوا به من فعل عثمان رضى الله عنه يرد بأن عثمان ما علم قط أنه يقتل .. وإنما كان يراهم يحاصرون فقط .. وهم لا يرون هذا اليوم للإمام العدل .. بل يرون القتال معه ودونه فرضا فلا حجة لهم في أمر عثمان رضى الله عنه ..

وقال بعضهم: إن في القيام إباحة الحريم وسفك الدماء وأخذ الأموال وهتك الأستار وانتشار الأمر .. فقال لهم الآخرون كلا: إنه لا يحل لمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر أن يهتك حريما ولا أن يأخذ مالا بغير حق ولا أن يتعرض لمن لا يقاتله ..

فإن فعل شيئا من هذا فهو الذي فعل من المنكر ما ينبغى أن يغير عليه .. وأما قتله أهل المنكر قلوا أو كثروا فهذا فرض عليه .. وأما قتل أهل المنكر الناس وأخذهم أموالهم وهتكهم حريمهم ..

فهذا كله من المنكر الذي يلزم الناس تغييره .. وأيضا فلو كان خوف ما ذكروا مانعا من تغيير المنكر من الأمر بالمعروف لكان هذا مانعا من جهاد أهل الحرب وهذا ما لا يقوله مسلم وإن أدى ذلك إلى سبى النصارى نساء المسلمين وأولادهم وأخذ أموالهم وسفك دمائهم وهتك حريمهم ..