وقال آخرون: إلا الجمعة والعيدين وهو قول بعض أهل السنَّة ..
وذهب الصحابة كلهم دون خلاف من أحد منهم وجميع فقهاء التابعين كلهم دون خلاف من أحد منهم وأكثر من بعدهم وجمهور أصحاب الحديث وهو قول أحمد والشافعى وأبى حنيفة وداود وغيرهم إلى جواز الصلاة خلف الفاسق الجمعة والعيدين وغيرها .. وبهذا نقول.
وخلاف هذا القول بدعة محدثة فما تأخر قط أحد من الصحابة الذين أدركوا المختار بن عبيد والحجاج الثقفى، وعبيد الله بن زياد وحبيش بن دلجة وغيرهم عن الصلاة خلفهم وهؤلاء أفسق الفساق .. وأما المختار فكان منهما متهما في دينه مظنونا به الكفر ..
قال أبو محمد: احتج من يقول بمنع الصلاة خلفهم .. يقول الله تعالى:{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} ويقال لهم في الرد: كل فاسق إذا نوى بصلاته وجه الله تعالى فهو في ذلك من المتقين فصلاته متقبلة بمقتضى النص ..
ولو قيل: إنه لا يكون من المتقين إلا من لا ذنب له أصلا ما استحق أحد هذا الاسم بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. قال الله عز وجل:{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} ولا يجوز القطع على الفاسق بأنه لم يرد بصلاته وجه الله تعالى .. ومن قطع بهذا فقد قفا ما ليس به علم .. وقال ما لا يعلم وهذا حرام .. قال تعالى:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} وقال عز وجل: {وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} وقال بعضهم: إن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإِمام.
قال أبو محمد: هذا غاية الفساد لأنه قول بلا دليل بل البرهان يبطله لقول الله تعالى:
{وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا} وقول سبحانه: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، دعوى الارتباط هاهنا قول بلا برهان لا من قرآن ولا من سنة ولا من إجماع ولا من معقول .. وهم قد أجمعوا على أن طهارة الإمام لا تنوب عن طهارة المأموم ولا قيامه عن قيامه ولا قعوده عن قعوده ولا سجوده عن سجوده ولا ركوعه عن ركوعه ولا نيته عن نيته .. فما معنى هذا الارتباط الذي تدعونه إذن؟ وأيضا فإن القطع عن سريرة الذي ظاهره الفضل لا يجوز وإنما هو ظن تبنى عليه الأحكام في مثل هذا فاستوى الأمر في ذلك بالنسبة للفاضل والفاسق وصح أنه لا يصلى أحد عن أحد وإنما يصلى كل أحد عن نفسه .. وقال الله تعالى: {أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} فوجب بذلك ضرورة أن كل داع دعى إلى خير من صلاة أو حج أو جهاد أو تعاون على بر وتقوى .. ففرض على المسلم إجابته وعمل ذلك الخير معه لقوله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} وأن كل داع دعى إلى شر فلا تجوز إجابته بل فرض على المسلمين دفاعه ومنعه ..
قال أبو محمد: وأيضا فإن الفسق منزلة نقص عمن هو أفضل منه .. والذي لا شك فيه أن النسبة بين أفجر فاجر من المسلمين وبين أفضل الصحابة رضى الله عنهم أقرب من النسبة بين أفضل الصحابة رضى الله عنهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ..