وما عرى أحد من تعمد ذنب وتقصير بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ..
وإنما تفاضل المسلمون في كثرة الذنوب وقلتها وفى اجتناب الكبائر ومواقعتها ..
وأما الصغائر فما نجا أحد بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام منها .. وقد صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلف أبى بكر وعبد الرحمن بن عوف .. وبهذا صح أن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن استووا فأفقههم - ندب لا فرض - فليس لفاضل بعد هذا أن يمتنع من الصلاة خلف من هو دونه في القصوى من الغايات.
قال أبو محمد: وأما دفع الزكاة إلى الإِمام .. فإن كان الإِمام القرشى الفاضل أو الفاسق لم ينازعه فاضل فهى جارية والدفع جائز لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أرضو مصدقيكم" ولا يكون مصدقا كل من سمى نفسه مصدقا وإنما المصدق هو من قام البرهان على أنه مصدق بإرسال الإمام الواجبة طاعته لَه لجباية الزكاة .. وأما إذا سأَلها وطلب أداءها من هو غير الإِمام المذكور أو غير مصدقه فهو عابر سبيل لا حق له في قبضها فلا يجزئ دفعها إليه لأنه دفعها إلى غير من أمر بالدفع إليه .. وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" ..
وهكذا القول في الأحكام كلها من الحدود وغيرها .. إن أقامها الإِمام الواجبة طاعته والذي لابد منه .. فإن وافقت القرآن والسنة نفذت وإلا فهى مردودة لما ذكرنا ..
وإن أقامها غير الإمام المذكور أو واليه فهى كلها مردودة ولا يحتسب بها لأنه أقامها من لم يؤمر بإقامتها .. فإن لم يقدر عليها الإمام فكل من قام بشئ من الحق حينئذ نفذ - لأمر الله تعالى لنا بأن نكون قوامين بالقسط ولا خلاف بين أحد من الأمة أنه إذا كان الإمام حاضرا متمكنا أو أميره أو واليه فإن من بادر إلى تنفيذ حكم هو إلى الإمام .. فإن هذا الحكم أما مظلمة وإما ترد وإما عزل لا ينفذ .. على هذا جرى عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وجميع عماله في البلاد بنقل جميع المسلمين عصرا بعد عصر ثم عمل الصحابة رضى الله عنهم أجمعين ..
وأما الجهاد فهو واجب مع كل أمام وكل متغلب وكل باغ وكل محارب من المسلمين لأنه تعاون على البر والتقوى وفرض على كل أحد أن يدعو إلى الله تعالى وإلى دين الإسلام ومنع المسلمين ممن أرادهم بسوء قال تعالى: "فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" فهذا عموم لكل مسلم بنص الآية في كل مكان وكل زمان ..
هذا ما قاله ابن حزم وظاهر منه - كما ترى أنه يذهب إلى القول بأن الأحاديث التي تدعو إلى الخروج على الإمام الفاسق المنحرف ومقاومته بالسلاح والتي احتج يها الفريق الثاني ..
هذه الأحاديث قد نسخت الأحاديث التي تدعو إلى الصبر على مثل هذا الإِمام والنصح له بالقول والدعاء له بالصلاح والإِستقامة على الطريق السوى وعدم اللجوء إلى المقاومة بالقوة والتي احتج بها الفريق الأول.
بناء على أن الأحاديث الناسخة قد أثبتت حكمًا جديدًا زائدًا على ما أثبتته وقررته الأحاديث المنسوخة وهو مشروعية قتال الإمام الفاسق الفَاجر فيجب العمل بها دون الأخرى ..