للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واجب الوجود، وإن توقف فذلك المرجح إن كان من فعل العبد عاد التقسيم وهو تسلسل ممتنع وإن كان من فعل غيره فإما أن يجب وقوع الفعل أو لا يجب، وإذا لم يجب كان ممتنعا أو جائزا، والأول محال وإلا كان المرجح مانعا، وإن كان الثاني عاد التقسيم بعينه وهو متنع. فلم يبق سوى الوجوب. والعبد إذ ذاك يكون مجبورا لا مخيرا وهو عين التكليف بما لا يطاق. الثالثة: أن قدرة العبد غير مؤثرة في فعله، وإلا كانت مؤثرة فيه حال وجوده، وفيه إيجاد الموجود أو قبل وجوده، ويلزم من ذلك أن يكون تأثير القدرة في المقدور مغايرا له لتحقق التأثير في الزمن الأول دونه. والكلام في ذلك التأثير وتأثير مؤثره فيه كالأول. وهو تسلسل ممتنع. والقدرة غير مؤثرة في الفعل وهو المطلوب. الرابعة: أن العبد مكلف بالفعل قبل وجود الفعل، والقدرة غير موجودة قبل الفعل؛ لأنها لو وجدت لكان لها متعلق ومتعلقها لا يكون عدما لأنه نفى محض، فلا يكون أثرا لها. فكان وجودا، ولزم من ذلك أن تكون موجودة مع الفعل لا قبله. الخامسة: أن العبد مأمور بالنظر في قوله تعالى: "قل انظروا" (١) والنظر متوقف على القضايا الضرورية قطعا للتسلسل، وهى متوقفة على تصور مفرداتها، وهى غير مقدورة التحصيل، لأنه إن كان عالما بها، فتحصيل الحاصل محال، وإن لم يكن عالما بما بها فطلبها محال، فالنظر يكون ممتنع التحصيل. وهذه الحجج ضعيفة جدا. أما الحجة الأولى فلقائل أن يقول: المانع أن يكون وجود الفعل مع رجحان الداعى إلى الفعل. وقوله لأنه صار الفعل واجبا، يجاب عليه بأنه صار واجبا بالداعى إليه والاختيار له أو لذاته، الأول مسلم، والثانى ممنوع، وعلى هذا خرج العبد عن كونه مكلفا بما لا يطاق ثم يلزم عليه أن تكون أفعال الرب تعالى غير مقدورة بعين ما ذكروه وهو ممتنع، فما هو الجواب عن أفعال الله يكون مشتركا. وأما الثانية فهى بعينها أيضا لازمة على أفعال الله إذ أمكن أن يقال فعل الله إما ألا يكون متمكنا منه أو يكون. وهو إما أن يفتقر إلى مرجح أو لا، وإن افتقر إلى مرجح. فإن كان من فعله عاد التقسيم، وإن لم يكن من فعله فإما أن يجب وقوع الفعل معه أو لا يجب وهلم جرا إلى آخره، والجواب يكون مشتركا. وكذلك الثالثة أيضا لازمة على أفعال الله مع أنها مقدرة له إجماعا. وأما الرابعة؛ فيلزم منها أن تكون قدرة الرب تعالى حادثة موجودة مع فعله لا قبله، وهو مع إحالته فقائل هذه الطريقة غير قائل به. وبيان ذلك أنه أمكن أن يقال: لو وجدت قدرة الرب قبل وجود فعله لكان لها متعلق وليس متعلقها العدم، فلم يبق غير الوجود ويلزم ألا يكون قبل الفعل بعين ما ذكروه. وأما الخامسة فأشد ضعفا مما قبلها إذ هي مبنية على امتناع اكتساب التصورات. وبتقدير ألا تكون التصورات مكتسبة، فالعلم بها يكون حاصلا بالضرورة والتكليف بالنظر المستند إلى ما ينقطع التسلسل عنده من المعلومات الضرورية، لا يكون تكليفا بما لا يطاق وهو معلوم بالضرورة. والمعتمد في ذلك مسلكان؛ المسلك الأول: أن العبد غير خالق لفعله، فكان مكلفا بفعل غيره وهو تكليف بما لا يطاق، وبيان أنه غير خالق لفعله أنه لو كان خالقا لفعله، فليس خالقا له بالذات والطبع إجماعا، بل بالاختيار، والخالق بالاختيار لا بد وأن يكون مخصصا


(١) الآية رقم ١٠١ من سورة يونس.