بمنع عدم الفرق بين القدور وغيره. وعن الثاني أنه إنما يمتنع وجود مقدور بين قادرين خالقين أو مكتسبين، أما بين خالق ومكتسب فهو غير مسلم. وعن الثالث بأن الاختلاف بمن القوى والضعيف إنما هو واقع في كثرة ما يخلقه الله تعالى من القُدَر على المقدورات في أحد الشخصين دون الآخر، لا في التأثير. وعن الرابع أنه إنما يلزم أن لو كان تعلق العلم بالجواهر والأعراض من جهة كونه غير مؤثر فيها وهو غير مسلم. وعن الخامس أنه إنما يلزم أن يكون العبد مضطرا أن لو لم يكن فعله مكتسبا له ومقدورا، ولا يلزم من عدم التأثير عدم الاكتساب. وعن السادس أنه لا مانع من تلازم القدرة على الشئ والعلم به. وعن السابع أنه لا معنى لانقسام فعل العبد إلى الطاعة والمعصية غير كونه مأمورا بهذا ومنهيا عن هذا لكسبه وهو كذلك. وعن الثامن أنه لازم على أصلهم أيضا، فإن التمكن من الكفر بخلق القدرة عليه أضر من الدعاء إليه، وقد فعل الله تعالى ذلك بالعبد، فما هو جواب لهم هو جوابنا. وعما ذكروه من الأمر والنهى، والشكر والذم، والثواب والعقاب، والأمر للعبد بما هو من فعل الله تعالى بالمنع من تقبيح ذلك بتقدير أن يكون قادرا غير مؤثر. كيف وأنه مبنى على التحسين والتقبيح العقلى وقد أبطلناه. وعن الإِلزام بالقضاء قد يطلق بمعنى الإِعلام والأمر والاختراع وانقضاء الأجل وإلزام الحكم وتوفية الحقوق والإِرادة لغة، وعلى هذا فالإِيمان من قضائه بجميع هذه الاعتبارات وهو حق، وأما الكفر فليس من قضائه بمعنى كونه مأمورا، بل بمعنى خلقه وإرادة وقوعه، وهو حق من هذا الوجه أيضا. وعن الإِلزام بالرضى: أنه راض بالإيمان وغير راض بالكفر. وعن المنقول: بأن ما ذكروه غايته إضافة الفعل إلى العبد حقيقة. ونحن نقول به فإن الفاعل عندنا على الحقيقة هو من وقع الفعل مقدورا له، وهو أعم من الموجد. والجواب عما ذكروه في المسلك الثاني بأن تعلق العلم بوجود الفعل بملازمة الوجود المقدور، فإنه إنما يعلم وجوده مقدورا لا غير مقدور، وكذا في العدم وعلى هذا، فلا يلزم منه عدم القدرة في حق الله تعالى ولا سلب اختياره في فعله، وكذلك العبيد فإنه إنما علم وقوع فعل العبد مقدورا للعبد والمعارضات فقد سبق الجواب عنها (١).
وجاء في المستصفى أن من شروط الفعل الداخل تحت التكليف جواز كونه مكتسبا للعبد حاصلا باختياره إذ لا يجوز تكليف زيد كتابة عمود وخياطته وإن كان ممكنا فليكن مع كونه ممكنا مقدورا للمخاطب. وذهب قوم إلى أن كون المكلف به ممكن الحدوث ليس بشرط، بل يجوز تكليف ما لا يطاق والأمر بالجمع بين الضدين وقلب الأجناس وإعدام القديم وإيجاد الموجود وهو المنسوب إلى الشيخ أبى الحسن الأشعرى رضى الله تعالى عنه وهو لازم على مذهبه من وجهين أحدهما أن القاعد عنده غير قادر على القيام إلى الصلاة لأن الاستطاعة عنده مع الفعل لا قبله وإنما يكون مأمورا قبله. والآخر: أن القدرة الحادثة لا تأثير لها في إيجاد المقدور بل أفعالنا حادثة بقدرة الله تعالى
(١) الإحكام في أصول الأحكام للإمام الشيخ سيف الدين أبى الحسن على بن أبى على بن محمد الآموى جـ ١ ص ١٩١ وما بعدها إلى صـ ٢٠٦ طبع مطبعة المعارف بمصر سنة ١٣٣٢ هـ سنة ١٩١٤ م.