الخياطة من الشجر لأن الطلب يستدعى مطلوبا معقولا أولا وهذا غير معقول أي لا وجود له في العقل فإن الشئ قبل أن يوجد في نفسه فله وجوده في العقل، وإنما يتوجه إليه الطلب بعد حصوله في العقل وإحداث القديم غير داخل في العقل فكيف يقوم بذاته طلب إحداث القديم، وكذلك سواد الأبيض لا وجود له في العقل، وكذلك قيام القاعد فكيف يقول له قم وأنت قاعد فهذا الطلب يمتنع قيامه بالقلب لعدم المطلوب، فإنه كما يشترط في المطلوب أن يكون معدوما في الأعيان يشترط أن يكون موجودا في الأذهان أي في العقل حتى يكون إيجاده في الأعيان على وفقه في الأذهان فيكون طاعة وامتثالا له احتذاء لمثال ما في نفس الطالب فما لا مثال له في النفس لا مثال له في الوجود. فإن قيل فإذا لم يعلم عجز المأمور عن القيام تصور أن يقوم بذاته طلب القيام. قلنا ذلك طلب مبنى على الجهل، ربما يظن الجاهل أن ذلك تكليف فإذا انكشف تبين أنه لم يكن طلبا وهذا لا يتصور من الله تعالى. فإن قيل: فإذا لم تؤثر القدرة الحادثة في الإِيجاد وكانت مع الفعل كان كل تكليف تكليفًا بما لا يطاق. فلنا: نحن ندرك بالضرورة تفرقة بين أن يقال للقاعد الذي ليس بزمن: ادخل البيت، وبين أن يقال له اطلع السماء، أو يقال له قم مع استدامة القعود أو اقلب السواد حركة والشجرة فرسا إلا أن النظر في أن هذه التفرقة إلى ماذا ترجع ويعلم أنها ترجع إلى تمكن وقدرة بالإضافة إلى أحد هذه الأوامر دون البقية ثم النظر في تفصيل تأثير القدرة ووقت حدوث القدرة كيفما استقر أمره لا يشككنا في هذا ولذلك جاز أن نقول:"لا تحملنا ما لا طاقة لنا به"، فإن استوت الأمور كلها فأى معنى لهذا الدعاء، وأى معنى لهذه التفرقة الضرورية فغرضنا من هذه المسألة غير موقوف على البحث عن وجه تأثير القدرة ووقتها (١).
وجاء في روضة الناظر أن من الشروط المعتبرة للفعل المكلف فيه أن يكون ممكنا فإن كان محالا كالجمع بين الضدين ونحوه لم يجز الأمر به، قال صاحب نزهة الخاطر: أي أنه يشترط إمكان الفعل المكلف به لأن حصوله مطلوب الشرع، وكل ما كان مطلوب الحصول يجب أن يكون متصور الوقوع، فالمكلف به يجب أن يكون متصور الوقوع - وهو معنى كونه ممكنا - لكن المحال لا يتصور وقوعه، وما لا يتصور وقوعه لا يستدعى حصوله. دليل الأولى ظاهر، ودليل الثانية أن استدعاء الحصول لا يكون إلا لفائدة، وحصول الفائدة مما لا يتصور وقوعه لا يعقل، وإذا ثبت أن المحال لا يستدعى حصوله فلا يكلف به لعدم فائدة التكليف. واعلم أن المستحيل على أقسام؛ أحدها: أن يكون لذاته ويعبر عنه أيضا بالمستحيل عقلا، وهذا القسم هو الذي ذكره ابن قدامة ومثل له بالجمع بين الضدين والنقيضين، ومثله الحصول في حيزين في وقت واحد. الثاني: أن يكون للعادة كالطيران بلا آلة وبلا واسطة وكخلق الأجسام وكحمل الجبل العظيم. والثالث: أن يكون لطريان مانع كتكليف المقيد العدو وتكليف الزمن المشى. والرابع: أن يكون لانتفاء القدرة عليه حالة التكليف مع أنه مقدور عليه حال الامتثال كالتكاليف كلها لأنها غير
(١) المستصفى من علم الأصول للإمام أبى حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالى جـ ١ ص ٨٦ وما بعدها إلى ص ٨٨ في كتاب أسفله فواتح الرحموت للعلامة عبد العلى محمد بن نظام الدين الأنصارى بشرح مسلم الثبوت في أصول الفقه للإمام المحقق الشيخ محب الله بن عبد الشكور الطبعة الأولى طبع المطبعة الأميرية بمصر سنة ١٣٢٢ هـ.