للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رحمه الله تعالى: إذا اكترى دابة بعينها فوجدها جموحا أو عضوضا أو نفورا أو بها عيب غير ذلك مما يفسد ركوبها فللمكترى الخيار إن شاء ردها وفسخ الإِجارة وإن شاء أخذها وهذا قول أبى ثور وأصحاب الرأى رضى الله تعالى عنهم، ولأنه عيب في المعقود عليه فأثبت الخيار كالعيب في بيوع الأعيان والعيب الذي يرد به ما تنقص به قيمة المنفعة كتعثر الظهر في المشى والعرج الذي يتأخر به عن القافلة وربض البهيمة بالحمل وكونها جموحة أو عضوضة أو أشباه ذلك، وفى المكترى للخدمة ضعف البصر والجنون والجذام والبرص، وفى الدار انهدام الحائط والخوف من سقوطها وانقطاع الماء من بئرها أو تغيره بحيث يمتنع الشرب والوضوء وأشباه ذلك من النقائص، ومتى حدث شئ من هذه العيوب بعد العقد ثبت للمكترى خيار الفسخ لأن المنافع لا يحصل قبضها إلا شيئًا فشيئًا فإذا حدث العيب فقد وجد قبل قبض الباقى من المعقود عليه فأثبت الفسخ فيما بقى منها، ومتى فسخ فالحكم فيه كما لو انفسخ العقد بتلف العين، وإن رضى المقام ولم يفسخ لزمه جميع العوض لأنَّهُ رضى به ناقصا فأشبه ما لو رضى بالببيع معيبا، وإن اختلفا في الموجود هل هو عيب أو لا؛ رجع فيه إلى أهل الخبرة فإن قالوا ليس بعيب مثل أن تكون الدابة خشنة المشى أو أنها تتعب راكبها لكونها لا تركب كثيرًا فليس له فسخ، وإن قالوا هو عيب فله الفسخ، هذا إذا كان العقد يتعلق بعينها فأما إن كانت موصوفة في الذمة لم ينفسخ العقد وعلى المكرى إبدالها لأن العقد لم يتعلق بعينها أشبه المسلم فيه إذا سلمه على غير صفته فإن عجز عن إبدالها أو امتنع منه ولم يمكن إجباره عليه فللمكترى الفسخ أيضًا (١). وعلى المكرى ما يتمكن به من الانتفاع كتسليم مفاتيح الدار والحمام لأن عليه التمكين من الانتفاع وتسليم مفاتيحها تمكين من الانتفاع فوجب عليه، فإن ضاعت بغير تفريط من المكترى فعلى المكرى بدلها لأنها أمانة في يد المكترى فأشبه ذلك حيطان الدار وأبوابها، وعليه بناء حائط إن سقط وإبدال خشبه إن انكسر، وعليه تبليط الحمام وعمل الأبواب والبزل ومجرى الماء لأن بذلك يتمكن من الانتفاع، وما كان لاستيفاء المنافع كالحبل والدلو والبكرة فعلى المكترى، وأما التحسين والتزويق فلا يلزم واحدا منهما لأن الانتفاع ممكن بدونه، وأما تنقيه البالوعة والكنف فإن احتيج إلى ذلك عند الكراء فعلى المكرى لأن ذلك مما يتمكن به من الانتفاع، وإن امتلأت بفعل المكترى فعليه تفريغها، وهذا قول الشافعي، وقال أبو ثور: هو على رب الدار لأن به يتمكن من الانتفاع فأشبه ما لو اكترى وهى ملأى، وقال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه: القياس أنه على المكترى والاستحسان أنه على رب الدار لأن عادة الناس ذلك. ويدل لنا أن ذلك حصل بفعل المكترى فكان عليه تنظيفه كما لو طرح فيها قماشا، والقول في تفريغ جية الحمام التي هي مصرف الماء كالقول في بالوعة الدار، وإن انقضت الإِجارة وفى الدار زبل أو قمامة من فعل الساكن فعليه نقله وهذا قول الشافعي وأبى ثور وأصحاب الرأى رضى الله تعالى عنهم (٢). وإذا أجره الأرض للغراس سنة صح لأنَّهُ يمكن تسليم منفعتها المباحة المقصودة فأشبهت سائر


(١) المرجع السابق جـ ٢ ص ٣٠، ٣١ نفس الطبعة.
(٢) المرجع السابق جـ ٦ ص ٣١، ص ٣٢ نفس الطبعة.