المنافع، وسواء شرط قلع الغراس عند انقضاء المدة أو أطلق، وله أن يغرس قبل انقضاء المدة فإذا انقضت المدة لم يكن له أن يغرس لزوال عقده، فإذا انقضت السنة وكان قد شرط القلع عند انقضائها لزمه ذلك وفاء بموجب شرطه، وليس على صاحب الأرض غرامة نقصه ولا على المكترى تسوية الحفر وإصلاح الأرض لأنهما دخلا على هذا لرضاهما بالقلع واشتراطهما عليه، وإن اتفقا على إبقائه بأجر أو غيره جاز إذا شرطا مدة معلومة، وكذلك لو اكترى الأرض سنة بعد سنة كلما انقضى عقد جدد آخر جاز، وإن أطلق العقد فللمكترى القلع لأن الغرس ملكه فله أخذه كطعامه من الدار التي باعها، وإذا قلع فعليه تسوية الحفر لأنَّهُ نقص دخل عل ملك غيره بغير إذنه وهكذا إن قلعه قبل انقضاء المدة ههنا، وفى التي قبلها لأن القلع قبل الوقت لم يأذن فيه المالك ولأنه تصرف في الأرض تصرفا نقصها لم يقتضه عقد الإِجارة، وإن أبى القلع لم يجبر عليه إلا أن يضمن له المالك نقص غرسه فيجبر حينئذ وبهذا قال الشافعي رضى الله تعالى عنه وقال أبو حنيفة ومالك رضى الله تعالى عنهما: عليه القلع من غير ضمان النقص له لأن تقدير المدة في الإجارة يقتضى التفريغ عند انقضائها كما لو استأجرها للزرع.
ويدل لنا قول النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "ليس لعرق ظالم حق" مفهومه أن ما ليس بظالم له حق وهذا ليس بظالم ولأنه غرس بإذن المالك ولم يشرط قلعه فلم يجبر على القلع من غير ضمان النقص كما لو استعار منه أرضا للغرس مدة فرجع قبل انقضائها، ويخالف الزرع فإنه لا يقتضى التأبيد فإن قيل: فإن كان إطلاق العقد في الغراس يقتضى التأبيد فشرط القلع ينافى مقتضى العقد فينبغى أن يفسده، قلنا: إنما اقتضى التأبيد من حيث أن العادة في الغراس التبقية فإذا أطلقه حمل على العادة وإذا شرط خلاصه جاز كما إذا باع بغير نقد البلد أو شرط في الإِجارة شرطا يخالف العادة. إذا ثبت هذا فإن رب الأرض يخير بين ثلاثة أشياء:
أحدها: أن يدفع قيمة الغراس والبناء فيملكه مع أرضه.
الثاني: أن يقلع الغراس والبناء ويضمن أرش نقصه.
الثالث: أن يقر الغراس والبناء ويأخذ منه أجر المثل وبهذا قال الشافعي رضى الله تعالى عنه، وقال مالك رضى الله تعالى عنه: يخير بين دفع قيمته فيملكه وبين مطالبته بالقلع من غير ضمان وبين تركه فيكونان شريكين وليس بصحيح لأن الغراس ملك لغارسه لم يدفع إليه عنه عوض ولا رضى بزوال ملكه عنه فلا يزول عنه كسائر الغرس، وإن اتفقا على بيع الغراس والبناء للمالك جاز وإن باعهما صاحبهما لغير مالك الأرض جاز ومشتريهما يقوم فيهما مقام البائع، وقال أصحاب الشافعي رضى الله تعالى عنهم في أحد الوجهين: ليس له بيعها لغير مالك الأرض لأن ملكه ضعيف بدليل أن لصاحب الأرض تملكه عليه بالقيمة من غير إذنه. ويدل لنا أنه مملوك له يجوز بيعه لمالك الأرض فجاز لغيره كشقص مشفوع وبهذا يبطل ما ذكروه فإن للشفيع تملك الشقص وشراؤه ويجوز بيعه لغيره (١). ويلزم المكرى للركوب كل ما جرت به العادة أن يوطأ به المركوب للراكب من
(١) المرجع السابق جـ ٦ ص ٦٦ وما بعدها إلى ص ٦٨ نفس الطبعة.