للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالاشتراك فعلى قول هؤلاء جميعًا لا حكم له أصلًا بدون قرينة إلا التوقف.

ويقول الكمال وشارحه: (١)

توقف الأشعرى والقاضى في أن الأمر موضوع للوجوب أو الندب وقيل توقفا فيه بمعنى لا يدرى مفهومه أصلًا.

وبالرجوع إلى كلام الغزالى في المستصفى وجدناه يصور مذهب الوقف ورأيه فيقول: (٢)

قال قوم يتوقف فيه ثم منهم من قال هو مشترك كلفظ العين ومنهم من قال لا ندرى أهو مشترك أو وضع لأحدهما واستعمل في الثاني مجازًا. والمختار أنه متوقف فيه.

والدليل القاطع فيه أن كونه موضوعًا لواحد من الأقسام لا يخلو إما أن يعرف عن عقل أو نقل ونظر العقل إما ضرورى أو نظرى ولا مجال للعقل في اللغات. والنقل إما متواتر أو آحاد ولا حجة في الآحاد والتواتر في النقل لا يعدو أربعة أقسام فإنه إما أن ينقل عن أهل اللغة عند وضعهم أنهم حرصوا بأنا وضعناه لكذا أو أقروا به بعد الوضع وإما أن ينقل عن الشارع الإخبار عن أهل اللغة بذلك أو تصديق من ادعى ذلك وإما أن ينقل عن أهل الإجماع وإما أن يذكر بين يدى جماعة يمتنع عليهم السكوت على الباطل. فهذه الوجوه الأربعة هي وجوه تصحيح النقل ودعوى شئ من ذلك في قوله افعل أو في قوله أمرتك بكذا أو قول الصحابي أمرنا بكذا لا يمكن فوجب التوقف فيه.

ثم تناول بعض شبه المخالفين بالرد عليها بعد أن أوردها موضحًا أنه لا يقول إن الأمر مشترك لكن يتوقف في كونه مشتركًا وأنه لا يدرى هل وضع لأحدهما وتجوز به عن الآخر أو وضع لهما معًا.

وهو يبطل مذهب القائلين بالندب محتجين بأنه أقل مراتب الاشتراك بين الوجوب والندب فيقول (٣).

إن هذا فاسد من ثلاثة اوجه:

الأول: أن هذا استدلال والاستدلال لا مدخل له في اللغات وليس هذا نقلًا عن أهل اللغة أن قول افعل للندب.

الثاني: أنه لو وجب تنزيل الألفاظ على الأقل المستيقن لوجب تنزيل هذا على الإباحة والإذن: إذ قد يقال أذنت لك في كذا فافعله فهو الأقل المشترك. أما حصول الثواب بفعله فليس بمعلوم كلزوم العقاب بتركه لاسيما على مذهب المعتزلة فالمباح عندهم حسن ويجوز أن يفعله الفاعل لحسنه وبأمر به وكذلك يلزم تنزيل صيغة الجمع على أقل الجمع ولم يذهبوا إليه.

الثالث: وهو التحقيق أن ما ذكروه إنما يستقيم أن لو كان الوجوب ندبًا وزيادة فتسقط الزيادة المشكوك فيها ويبقى الأصل ليس كذلك بل يدخل في حد الندب جواز تركه فهل تعلمون أن المقول فيه افعل يجوز تركه أم لا فإن لم تعلموه فقد شككتم في كونه ندبًا وإن علمتموه فمن أين ذلك واللفظ لا يدل على لزوم المأثم بتركه فلا يدل على سقوط المأثم بتركه أيضًا.


(١) التقرير والتحبير جـ ١ ص ٣٠٣.
(٢) المستصفى جـ ١ ص ٤٢٣.
(٣) المستصفى جـ ١ ص ٤٢٦.