للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا حاجة لى فيه. فقد علمت أنه لو كان أمرًا لوجب وكذلك عقلت الأمة.

ورد على هذه الحجة بأن هذا وضع على بريرة وتوهم فليس في قولها إلا استفهام أنه أمر شرعى من جهة الله تعالى حتى تطيع طلبًا للثواب أو شفاعة لسبب الزوج حتى تؤثر غرض نفسها عليه.

فإن قيل شفاعة الرسول: عليه السلام أيضًا مندوب إلى إجابتها وفيها ثواب قلنا:

وكيف قالت لا حاجة لى فيه والمسلم يحتاج إلى الثواب فلا يقول ذلك لكنها اعتقدت أن الثواب في طاعته في الأمر الصادر عن الله تعالى وفيما هو لله لا فيما يتعلق بالأغراض الدنيوية أو علمت أن ذلك في الدرجة دون منا ندبت إليه فاستفهمت أو أفهمت بالقرينة أنها شكت في الوجوب فعبرت بالأمر عن الوجوب فأفهمت.

ومنها قوله عليه السلام "لولا أنى أخاف أن أشق على أمتى لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" قول على أنه للوجوب وإلا فهو مندوب.

قلنا لما كان قد حثهم على السواك ندبًا قبل ذلك أفهم أنه أراد بالأمر ما هو شاق أو كان قد أوحى إليه أنك لو أمرتهم بقولك استاكوا لأوجبنا ذلك عليهم فعلمنا أن ذلك يجب بإيجاب الله تعالى عند إطلاقه صيغة الأمر.

ومنها قوله عليه السلام لأبى سعيد الخدرى لما دعاه وهو في الصلاة فلم يجبه: "أما سمعت الله تعالى يقول {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} (١) فكان هذا التوبيخ على مخالفة أمره.

قلنا لم يصدر منه أمر بل مجرد نداء وكان قد عرفهم بالقرائن تفهيمًا ضروريًا وجوب التعظيم له وأن ترك جواب النداء تهاون وتحقير بأمره بدليل أنه كان في الصلاة وإتمام الصلاة واجب ومجرد النداء لا يدل على ترك واجب بل يجب تركه بما هو أوجب منه كما يجب ترك الصلاة لإنقاذ الغرقى ومجرد النداء لا يدل عليه.

ومنها قول الأقرع بن حابس: أحجنا هذا لعامنا هذا أم للأبد فقال عليه السلام: "للأبد ولو قلت نعم لوجب" فدل على أن جميع أوامره للإيجاب.

قلنا قد كان عرف وجوب الحج بقوله تعالى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} (٢) وبأمور أخر صريحة لكن شك في أن الأمر للتكرار أو للمرة الواحدة فإنه متردد بينهما ولو عين الرسول عليه السلام أحدهما لتعين وصار متعينًا في حقنا ببيانه فمعنى قوله لو قلت نعم لوجب أي لو عينت لتعين.

وآخر الشبه التي تولى الرد عليها من جهة الإجماع قال (٣): زعموا أن الأمة لم تزل في جميع الأعصار ترجع في إيجاب العبادات وتحريم المحظورات إلى الأوامر والنواهى كقوله {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}، {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً}، {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} وأمثاله.

والجواب أن هذا وضع وتقول على الأمة ونسبة لهم إلى الخطأ ويجب تنزيههم عنه نعم يجوز أن يصدر ذلك من طائفة ظنوا أن ظاهر الأمر للوجوب وإنما فهم المحصلون وهم الأقلون


(١) آية ٢٤ سورة الأنفال.
(٢) آية ٩٧ سورة آل عمران.
(٣) المصدر السابق ص ٤٣٤.