للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في بسماتها، وتشيع في قسماتها، وتنشر أضواءها السحرية على أعصاب الرجل - وهو بطبعه ولوع - فيتمتع بنعمة اختياره ولذة إيثاره، ويجد في الضعف الذي يستلم ويستكين، الحبَّ الذي يطول ويحكم.

إن شبهة الخداع والتصنع تمحق كل شيء: لذلك كان في مخايل الطيبة والنزاهة، وفي سمات الظرف الغرير يتراءى وهو يختفي، وفي أسرار الهوى المكتوم تفضحه البسمة الحنون من شفة مطبقة، وتعلنه الومضة الخاطفة من نظرة حبية، وفي دلائل الملامح المعبرة في الوجوه والعيون تقول وهي تنصت، وتريد وهي ترفض: كان في كل أولئك بلاغة الجمال؛ فإذا أصيب الحب بالفتور ابتُلي الجمال بالخرَس.

وسلطان المرأة القوي على قلب الرجل إنما يأتيها من ذلك الذكاء المستسرِّ ترعاه معه وفيه على غير علمه؛ فكان من مزايا جمالها أيضاً أن تلوح هذه البصيرة الدقيقة على أسرَّة وجهها، وتشرق على الأخص في تلك النظرة الوديعة التي تتغلغل في طوايا القلب فتنسخ ظلال الفتور، وتبدد ظلام الكآبة، وتشعل خمود الحب. . . . . .

ومن خصائص جمال المرأة الاحتفاظ بالقلب الذي تصبَّاه وسباه؛ ووسيلته أن يطرد السأم عنه، ويجدد الشوق فيه، فيعير العادة المملة ألوان الجدَّة، ويقبس الحياة الرتيبة حرارة التنوع؛ وذلك هو السر العجيب الذي وضعه الله في الجمال النسوي، فيتكرر ولا يُمل، ويستعلن ولا يُفهم، ويتجدد ولا يتناهى، ويتنوع ولا يختلف، ويتولد ولا يبيد!!

إن في خلق السموات والأرض، واختلاف الليل والنهار، والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس؛ وإن في تجميع النهر، وتكوين الجبل، وتصريف الريح، وإثارة البحر - لجمالاً رائعاً يجري في كل شعور، ويستولي على كل قلب، لأنه يعلن القوة الخارقة؛ والقوة أروع خصائص الجمال وأشدها أخذاً بمدارك الحس؛ كذلك تجد في صغار الأشياء مفاتن للجمال الطبيعي تهز النفس وتصبي المشاعر؛ فورقة الزهرة، وجناح الفراشة، يبعثان في قلبك من الإعجاب ما يبعثه الطود المتموج بالثلج، والمحيط الملفف بالعاصفة؛ ولكن خصيصة الجمال في الزهرة والفراشة هي فرَة الألوان، ونصاعة الأصباغ، وتعدد الصور؛ وخصيصة الفرة أضعف من خصيصة القوة لتأثرها بالذوق، وخمودها بالألف والعادة.

ولعل خصيصة الذكاء أخفى الخصائص الجمالية جميعاً، لأن مرجعها إلى التأمل والفهم،

<<  <  ج:
ص:  >  >>