للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وأشعلتها، ونفخت دخانها ثم قالت:

(هذا أوان الحاجة إلى الرجال. . . فأخرجا، وابحثا عن قش تلقيانه تحت العجلات، أو اجرفا الطين أمامها وشقا لها طريقاً).

فقال ابن عمها: (هذا بديع. . . لقد تركت أظافري تطول لمثل هذا اليوم. . . قم بنا يا أخي).

ولكنا فعلنا غير ذلك، ودعونا أحد الفلاحين إلى معونتنا، فزعق فاجتمع حولنا نفر من الرجال والنساء، أعملوا أيديهم في الطين حتى رفعوه من طريقنا، فشكرنا لهم مروءتهم ومددنا لهم أيدينا بنقود، فأبوها كل الأباء؛ وقال الذي جمعهم: (عيب يا أفندي) فألححنا، فأصر على الأباء، وعلى أن هذا عيب، فكررنا له الشكر، وصافحناه ثم نظرنا في أيدينا فإذا كلها طين! فاستحيينا أن نقول شيئاً على مسمع منه.

بلغنا البيت قبل صاحبه وقبل الموعد المضروب بنحو ربع ساعة، وكان الفضل لهذه السائقة البارعة التي كنا نجهل أن هذه من مزاياها؛ ولما أقبل مضيفنا بعد دقائق قال له نسيبي:

(ليكن هذا درساً لك. . . هات الرهان).

قال: (ولكن من أين جئتم؟) ثم كأنما تذكر فرفع يده إلى جبينه وصاح: (ما أغباني!) فقال نسيبي: (تمام. . . اعرف نفسك. . . هكذا قال الحكماء. . . وهذا هو ربحك اليوم. . . وأولى أن تسأل كيف جئنا. . . حدثه يا هذا، فإن بي كسلاً بعد الذي تجشمته من متاعب القيادة).

فصحنا به منكرين هذا الكذب. . .

إبراهيم عبد القادر المازني

<<  <  ج:
ص:  >  >>