يومئذ قوة طليانية إلى مصوع ورفعت العلم الطلياني على دار الحكومة. فلم يحرك خديو مصر ساكناً. بيد أن الفرنسيين لم يرتاحوا إلى ذلك، وبعد أن رسخت أقدام الطليان في مصوع وجهوا أنظارهم إلى الداخل للتوغل في أرض الحبشة، وكان هناك طريقان تجاريان يربطان مصوع بالداخل: أولهما طريق (مصوع - كرن - كسلا - الخرطوم). أما الطريق الثاني فكان متجهاً إلى الجنوب ويقطع جبال الحبشة من الشمال إلى الجنوب إلى أن يصل إلى شاطئ البحر الأحمر.
ولما كان هواء مصوع الحار الرطب غير ملائم للأوربيين فكر الطليان في الحصول على مركز في الداخل صالح للسكنى. فارتفاع قصبة كرن حوالي ١٣٤٠ متراً عن سطح البحر. أما كسلا فارتفاعها يبلغ ٥٣٠ متراً ولكنها محاطة برواب بشكل قلعة، ولكي يحصل البريطانيون على مساعدة الطليان في مقاتلة المهدي في السودان لوحوا للطليان بالطريق الأول.
فقررت الحكومة الطليانية تجهيز قوة لإنزالها في مصوع تأهباً لاحتلال الحبشة من جهة أخرى وذلك رغم كون القيادة في مصوع لفتت نظر ساسة الطليان إلى عاقبة الحركة في اتجاه كسلا. وكان في جنوبي مصوع ميناء عرفالي الذي كان الأحباش يعتبرونه من الموانئ الحبشية لأنهم كانوا يجلبون الملح منه، ولما رأى النجاشي (يوحانس) أن الطليان احتلوا هذا الميناء احتج على ذلك.
والحقيقة أن الحوادث بعد ذلك جعلت الحبشة وإيطاليا تقفان وجهاً لوجه لأن البريطانيين قضوا على حركة المهدي بعد وفاته واحتلوا السودان وثبتوا أقدامهم فيه.
لذلك لم يخش الأحباش خطراً من هذا الجانب. أما الطليان فأخذوا يوسعون نفوذهم في مستعمرة مصوع التي أطلقوا عليها اسم (أريترة)(أي الزنبقة الحمراء) ووسعوا ساحة الساحل باحتلالهم ميناء زولا وخليج (عدولي) ومنعوا الأحباش من أخذ الملح فاحتج النجاشي على ذلك أيضاً فلم يعبأ الطليان باحتجاجه بل سلكوا سبيل تخدير أعصاب الأحباش بإرسال البعثات وكانوا قبل ذلك أرسلوا بعثتين من (عصب) فقتلهما الدناكليون. وأرسلوا بعثة أخرى في سنة ١٨٨٦ فذبحت برمتها في هرر. وفي سنة ١٨٨٧ أرسلوا بعثة أخرى. ولما وصلت إلى ملك تيجري ألقى الرأس القبض عليها وحبسها. فأرسل