للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المستشفى امتلأ سمعه بصراخ المجانين وأحاديث البلهاء فلم تكد أذنه تسمع أصداء بستور ونبوءاته بوجود مكروبات فظيعة تفتك شر فتك بالإنسان؛ وظل ينصت لصفير السفن، وفي الأمساء كان يطلب المشي للرياضة فيصطحب صديقة له كانت تسمى: (ايمي فراتس) وكان يهبط بها إلى شاطئ البحر حيث السفائن تغدو وتروح، وسألها الزواج منها، وخال أن يغريها بالقبول فذكر لها أمله في طوافه حول الأرض ومسيره إلى الشرق ورؤية البلاد والشعوب، فقالت له إنها تتزوجه على شريطة أن يصحو عن أحلامه وينسى الشرق ومغامراته ويفتح لنفسه عيادة في بلد ألماني فينفع أهله وبلاده وأنصت كوخ إلى ايمي والى صوتها الساحر ساعة، وازدحمت في خياله صور شتى من سعادة خمسين عاماً يقضيها في العيش الهنيء معها، فطردت هذه الصور صور الفيلة والأنمار من رأسه، واستجاب نداء عروسه فاستقر لممارسة الطب، وفي سبيله اخذ ينتقل من قرية بروسية إلى أخرى على يمط من الحياة لا يختلف - حياة رتيبة ليس فيها صخبات الحياة وما تتضمنه من متع ولذائذ وفي هذه الفترة من الزمان، حين كان كوخ يكتب الوصفات للمرضى وينتقل في سبيل صناعته بين ديارهم المتباعدة على ظهر حصانه، يستقبل وكْفات المطر من فوقه، ويشق لنفسه طريقا في الوحل من دونه، ويسهر الليالي في ديار النُّفساء من أهل الريف، في هذه الفترة من الزمان كان (لستر) بأسكتلندا آخذاً في إنقاذ حياة الكثيرات من النساء عيد الوضع بدفع غائلة المكروب عنهن، وكان أساتذة الطب وطلابه في أوروبا اخذين في الإصغاء إلى ما يقول به بستور من نظريات، وما يعزوه إلى المكروب من أمراض، واختلفوا في الذي يقول واشتجروا، وقام من بينهم رجال يجرون تجارب أعوزها حذق المجربين وذكاء الباحثين، وكان كوخ بمعزل عن كل هذا، كان منقطعاً عي بيئة العلم انقطاع (لوفن هوك) عنها قبل ذلك بمائتي عام، عام قام لأول مرة في مدينة دلفت بهولاندا ينحت العدس بيد ما عرفت من قبل للعدس نحتاً: وخيل للناظر إلى (كوخ) أن القدر قسم له أن يكون طبيباً عادياً متواضعاً يواسي المرضى ويحاول ما استطاع تخليصهم من الموت، وعزَّ ذلك مطلباً عليه وعلى أطباء ذلك الزمان، ورضيت ايمي بقسمة القدر، وفخرت بزوجها لما كسب خمسة وعشرين مركاً في يوم كثير العمل وفير المرضى ولكن كوخ كان غير راض، وانتقل في منصبه من قرية بليدة إلى قرية اكثر بلادة، حتى أدى به المطاف

<<  <  ج:
ص:  >  >>