للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن تفجرنا من القلوب أو جمدنا في العروق فنهايتنا واحدة: الأرض مثوانا وهي الأم الرءوم.

أليست تلك أرض الوطن. . .؟ لقد خالطنا حبها فاختلطنا برغامها وتوغلنا في أعماقها وأضفنا إلى تربتها عنصراً جديداً لن يزول إلى الأبد. . . . . . أليس في كيميائها (المادة لا تفنى؟. . .).

للمظالم البشرية سهام مسمومة وللنفس الشريفة دم كريم. . . . . . إن أصاب ذلك الدم سهم من تلك السهام أبت كرامته أن يعيش إلى جواره فيفلت من مكانه ناقماً عليه ثائراً على عدوانه.

جبلت نفس الظالم من صخر لا قلب له ولا دم. فهو ينتقم لتلك الطبيعة الناقصة. فإن صادف قلباً أرهقه، وإن لاقى دماً أهرقه.

لا تقوم في نفس ابن آدم نزعة إلى الشر إلا ويكون مبعثها شيطان فيه. ولا يجئ منه الخير إلا يكون مصدره الإنسانية في الإنسان. ونحن - وا أسفاه - نتيجة صراع بين النزعتين في نفسين مختلفتين.

تضافرت الفضائل فغلبتها التضحية، وتنافرت الرذائل فجمعتها الأنانية.

يا عابر السبيل. . اخلع نعليك، فإن الأرض التي تطؤها مقدسة!

يا عابر السبيل. . . نحن غرباء مثلك، مطاردون مثلك، وقد أحاطتنا الحياة بهوانها حتى زجرتنا عن محيطها، وقذفت بنا الأرض قطرة حارة وزفرة متأججة تحرق الأديم وتلفح الوجوه. فإن بلغتك أنفاسنا المحترقة فخذ من حرارتها قوة لأنشودتك، ومن فيض آلامها املأ أنغامك سحراً وجلالاً وروعة. . . . . .

يا عابر السبيل. . . . . . لا تخش أن يكون سبيلك سبيلنا وطريقك طريقنا. . . فإنما السبيل للمجد وعر والطريق إليه شائك، فلا تكتئب أو تحزن فمن وخزات ألمك تعيش الكرامة، ومن زفرات بكائك يشتق الخلود آيته. . .

نحن الورود الحمراء التي سقتها الدموع وأنبتتها الأهوال. ستعيش جذورنا في أعماق الصخرة وتصمد أعوادنا المخضلة في وجه العاصفة، تتفتح أكمامنا للأجيال فتملأ النسمات بأريج عاطر ينعش الأنف ويغذي القلب ويثير الفؤاد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>