للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذلك من الجهد والعناء الشيء الكثير. والمعاني لدراسته محتاج إلى وفور حظه من الثقافتين التاريخيتين العامة والإسلامية، فإن لم يفعل كان كمن يغشى الهيجاء بيد عزلاء، أو يتقحم المجاهل برجل عرجاء. من أجل ذلك لم ينهض بعد التاريخ الإسلامي في الشرق نهضته المستقلة المنشودة. مع أن التاريخ سجل أحداثه، وديوان مجده وفخاره، فهو لا يزال قصصاً يقص، وسيراً ساذجة تتلى. أما روح الجماعات، وأثر البيئة والتقاليد، وعمل المبادئ والعقائد، والقوى الاجتماعية والاقتصادية المختلفة، فتلك كلها لا تزال في العربية أسراراً لم ترفع عنها الحجب. وقد يتعذر بعضهم عن هذه الحال بأن العوامل المذكورة ليست عند الشرقيين في مثل قوتها عند غيرهم ولكن الأمر هنا ليس أمر قوة وضعف، فهي موجودة في كل حال، والطبيعة البشرية واحدة، والناس هم الناس سواء أكانوا في شرق أم في غرب. ولو أنصف أولئك المعتذرون لقالوا إن الذي يحول دون نمو الروح التاريخي الصحيح في الشرق هو ما يعترض الباحث من وعورة المسلك، وبعد الشقة، وصعوبة المنال.

وبعد فقد آن أن نختم هذه الفصول التي لم يدفعنا إلى تسطيرها إلا ما أشرت إليه في كلمتي الأولى من توخي المصلحة العامة قبل كل شئ. فلعلي أكون قد وفقت فيما قصدت إليه.

ونصيحتي الأخيرة للدكتور مؤلف (تاريخ الإسلام السياسي) أنه إذا أسعده الحظ فأعاد طبع كتابه، ينبغي أن يعيد النظر في كل فصل من فصوله، وصفحة من صفحاته، فيصحح الخطأ، ويقيم المعوج، وإنه عندما يتولى إصدار الأجزاء الباقية ينبغي أن يكون أشد تحفظاً، وأكثر تثبتاً، فالناس لا يسألون عادة عن مقدار الزمن الذي ينفق في عمل من الأعمال، بمقدار ما يسألون عن حظ هذا العمل من التجويد والإتقان.

بقي أن أبرأ إليه مما عسى أن يكون القلم قد ناله به في هذه الكلمات من لفظ خشن، أو عبارة قارسة، فإن ذلك مما قد يحمل عليه مجرد الغضب للحق. أما المآخذ العلمية فلا حيلة لي فيها، وقديماً قالوا: (لا يزال الرجل في فسحة من عقله ما لم يقل شعراً أو يؤلف كتاباً)، وقد ألف الدكتور كتاباً، وسمع فيه مديحاً عاطراً كيل جزافاً، فمن الحق عليه أن يسمع إلى جانب ذلك صوت النقد يكال بقدر وحساب.

(انتهى)

<<  <  ج:
ص:  >  >>