ألامُ على حبي لدنيايَ هذه ... وما حيلتي إن كان قلبي بها يغري
صحوت غداةَ الشيب من سكرة الصبا ... ويا رُبّ صحوٍ كان شراً من السكر
وكان نصيبي في الشباب ابتسامةً ... تلوح على عين الحبيبة والثغر
قد ازدان بالألماس والزَهر فرعُها ... كما ازدان ليل الصيف بالأنجم الزُهر
ولما تفارقنا شجاني بكاؤها ... وما نثرت تلك المدامعُ من دُرّ
أذال هوانا الدمعَ والعقل صانه ... فموقفُه بين المذلّة والكبر
وماذا لليلي جدّ حتى تغيرت ... فأني وليلى كنت كالماء والخمر
تعيرني بالشيب وهو مصيرُها ... كأني وإياها إلى غايةٍ نجري
أبالقلب مني تهزئين إذا صحا ... ولكن هذا القلب ينبض بالشعر
منحتك حبي خالصاً فهجرتني ... وأسرفتِ يا ليلى الجميلة في الهجر
وللبلبل الصداح في كل روضة ... عرائسُ يبثثن الغرامَ من الزَهر
ويبسمن للصيداح من فرح به ... ويرمينني للشيب بالنظر الشزر
وللزهر مثل الغانيات لواحظٌ ... وفي تلكم الألحاظ شيءٌ من السحر
عيون رمتني بالسهام مريشةً ... بأهدابها من حيث أدري ولا أدري
سأهبط قبراً بعد حُمّى تميتني ... سلامٌ على الحمّى، سلامٌ على القبر
وإني لأخشى دفنهم لي بحفرة ... فيدُفن للنسيان فيها معي فكري
تموت اعتبارات الفتى عند موته ... فلا حسنَ في عُرفٍ ولا قبحَ في نكر
وأطْوِلْ بليل القبر والقبرُ ضيّقٌ ... ونوميَ في جوف التراب مدى الدهر
وددتُ لو أني قد يقضتُ من الكرى ... على صيحة الصيداح في مطلع الفجر
طريقُ حياتي لم يكن متساوياً ... فوعرٌ إلى سهل وسهلٌ إلى وعر
أرى المرَء مضطراً لما هو فاعَل ... وإن خال جهلاً أنه غير مضطرّ
ولستُ أخاف الشكَّ في كل ما رووا ... ولكنّ بعض الشكّ يأكل من حِجري
لمن تكتب الأرواحُ في اليمّ مألكاً ... فإني أرى الأمواجَ سطراً إلى سطر
مكانك لا تطلب من الدهر مخرجاً ... فأنك أَني سرت في قبضة الدهر
وليس أنيناً ما له أنت سامعٌ ... ولكنه شكوى الغريق إلى البحر