تسلمها حزبُ الصليب وقادَها ... وكانت شروداً لا يقاد نَفورُها
وقد ذهبت أديانها ونفوسها ... وقد دثرت تحت السباء دثورها
فباد بها الإسلام حتى تقطعت ... مناسبها وأستأصل الحق زورها
وأصبحت الصلبان قد عبدت بها ... تماثيلها دون الآله وصورها
لقرع النواقيس اعتلى بمنارها ... كرائه أصوات يروع صريرها
فيا ساكني تلك الديار كريمة ... سقى عهدكم مزن يصوب نميرها
أحقاً أخلائي القضاء أبادكم ... ودارت عليكم بالصروف دهورها
فقتل وأسر لا يفادي وفرقة ... لدى عرصات الحشر يأتي سفيرها
لعمر الهدى ما بالحشا لفراقكم ... سوى حُرَق سُحم تلظى سعيرها
ولوعة ثكل ليس يذهب روعها ... ولا تنقضي أشجانها وزفيرها
ونفس على هذا المصاب حزينة ... يذوب كما ذاب الرصاص صبورها
وقلب صديع ماج فيه بلاؤه ... سويداؤه سوداء جمٌّ ثبورها
سأبكي وما يجدي على الفائت البكى ... بعبرة حزن ليس يرقا عبورها
شآبيب دمع بالدماء مشوبة ... يساجل قطر الغاديات درورها
عويلاً يوافي المشرقين بريحه ... وثكلاً بأقمار قد أطفئ نورها
فوا حسرتاكم من مساجد حولت ... وكانت إلى البيت الحرام شطورها
ووا أسفاكم من صوامع أوحشت ... وقد كان معتاد الأذان يزورها
فمحرابها يشكو لمنبرها الجوى ... وآياتها تشكو الفراق وسورها
وكم من لسان كان فيها مرتِّل ... وحفل بختم الذكر تمضي شهورها
وكم من فتى ثبت الجنان مهذب ... يود المنايا وهو كان يديرها
يصول على الأبطال صولة ضيغم ... فيرهبه شبل الشرى وهصورها
له في سبيل الله خير نقيبة ... تزان لها عِين الجنان وحورها
له في جناب الكفر أجدى نكاية ... وشعواء غارات يثاب مغيرها
يُراع لها دين الصليب وحزبه ... ويخزى بها غنُصالها ورُمِيرُها
وكم أنفس كانت لديه أسيرة ... فأضحى لعمر الله وهو أسيرها