تهائمها مفجوعة ونجودها ... وأحجارها مصدوعة وصخورها
وقد لبست ثوب الحداد ومزقت ... ملابس حسن كان يزهو حبورها
فاحياؤها تبدي الأسى وجمادها ... يكاد لفرط الحزن يبدو ضميرها
فلو أن ذا ألف من البين هالك ... لذابت رواسيها وغاضت بحورها
على فرقة الدين الذي جاءها به ... بشير الأنام المصطفى ونذيرها
فمالقة الحسناء ثكلى أسيفة ... قد استفرغت ذبحاً وقتلاً حجورها
وجزت نواصيها وشلت يمينها ... وبدل بالويل المبين سرورها
وقد كانت الغربيّة الجُننَ التي ... تقيها فأضحى جنةَ الحرب سورها
وبلّش قطت رجلها بيمينها ... ومن سريان الداء بان قطورها
وضَحّت على تلك الثنيات حجرها ... فأقفر مغناها وطاشت حجورها
وبالله إن جِئتَ المنكب فأعتبر ... فقد خف ناديها وجفّ نضيرها
وسكّرُها قد بدل اليوم علقماً ... لها رجة نار الهيام تثيرها
وعرجْ على الإقليم فأبك ربوعها ... بسحب يضاهي المعصرات خريرها
وودع بها وفد النعيم فأنها ... لها أدمع فين الدموع يميرها
ألا ولتقف ركب الأسى بمعالم ... قد أرتج باديها وضج حضورها
بدار العلى حيث الصفات كأنها ... من الخلد والمأوى غدت تستطيرها
محل قرار الملك غرناطة التي ... هي الحضرة العليا زهتها زهورها
فما في العراقين العتيقين مثلها ... ولا في بلاد الله طراً نظيرها
تُرَى الأسى أعلامها وهي خشع ... ومنبرها مستعبر وسريرها
ومأمومها ساهي الحجى وإمامها ... وزائرها في مأتم ومزورها
لها حال نفس قد أصيب فؤادها ... وبتت لها اليمنى وحم تبورها
فأنفسها في الصعق دون إفاقة ... كنفس كليم الله إذ دك طورها
وقد ذعرت تلك البنيّات حولها ... فهن بواكي الأعين الرمد مُورها
وقد رجفت وادي الأشى فبقاعها ... سكارى وما استاكت بخمر ثغورها
لقد أظلمت حتى لفرط حدادها ... سواء بها نجل العيون وعورها