وليس من شك في أن هذه الكلمات المرغوب عنها وأمثالها مما يحاول المجمع طرده من الاستعمال أدق في الدلالة، وأقوى على الحياة وأسهل على الطبع، من تلك الألفاظ الجافية التي نقضها الدهر عن وجه البيان العربي لأسباب طبيعية منذ عمره الأول. . . ما للترام واليخت والفلم والبنزين والكنبة ما دامت سائغة في المنطق جارية على سنن الفصيح واردة على أسلوب المعرب؟ إن الشاكوش أدل من الخصين، والريال أجمل من الرقين، والفسيخ أدنى من القريب، والبشكير أولى من النشير، والمندالة أخف من الميطدة. لقد أفتتن الظرفاء طول العام في الإضحاك مما أشبه الأرزيز والجماز حتى استراب الناس في ذوق المجمع.
والواقع أن الصفة الغالبة على أكثر الأعضاء هي الضلاعة القاموسية المحافظة، فهم يريدون أن يتجاهلون الاصطلاح والعرف، ويتناسوا الكتاب والعامة، ويفرضوا على الأذواق الفنانة كلمات لا تقطر من جمودها على قلم، وعلى الطبقات العاملة لغات لا ينطبق مدلولها على عمل.
أن اللغة العربية لابست مرافق العصر الحديث قبل أن ينشأ المجمع بقرن ونيف، فاستحدثت الضرورة في مدى هذا الزمن ألفاظاً بالاشتقاق والتعريب والترجمة، ربطت اللغة بأسباب المدنية، ووصلت الأدب بمعاني الحياة. ووظيفة المجامع أن تقر ما وجد وتنشئ ما لم يوجد؛ والاستعمال الذي لا يقف ولا ينتهي، يتمم القاموس الذي انتهى ووقف. أما إطلاق العربي المهجور على المعرب المشهور مخافة أن تطغى العجمة (ويصبح الفصيح بين لغتنا أقل من القلة، بحيث لا يصح لنا وقتئذ أن نزعم أننا نتحدث بلسان العرب) كما قال الأستاذ الرئيس، فلا يستقيم في منطق اللغات، ولا يجري في نظام الطبيعة؛ لأن عربية القاموس لا تكاد تجاوز منتصف القرن الثاني، وما اقتبسته اللغة بعد ذلك من حضارة الفرس ومدنية الروم أوشك أن يؤلف قاموساً آخر، ومع ذلك لم تستعجم الفصحى ولم ينهم بيان العرب! ويخيل إلى أن الأستاذ جب كان يرد على معالي الرئيس حين قال في خطبته (ويل للغة مصادرها معجماتها دون الشعور الحي للناطقين بها! وويل كذلك للغةٍ ينطق الناطقون بها ويكتب الكاتبون فيها طوع أهوائهم ويضربون بمعجماتها عرض الحائط!).
إن ما أخذناه وأخذه الناس على ما وضع أعضاء المجمع من الألفاظ إنما ينحصر في شؤون