للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ويظهر أن أصحاب هذه النزعة الثانية وهم الذادة هم الذين سموا هذه الحروب حرب الفجار لما ارتكب فيها من الفجور وسفك الدماء وهم الذين تغلبوا فيما بعد ونجحوا في وقف هذه الحروب (ودعوا الناس أن يعدوا القتلى فيدوا من فضل. وان يتعاقدوا على الصلح فلا يعرض بعضهم لبعض) وربما كان من أثر ذلك حلف الفضول وقد عقد في بيت عبد الله بن جدعان هذا.

واستمرت عكاظ في الإسلام وكان يعين فيها من يقضي بين الناس، فعين محمد بن سفيان بن مجاشع قاضيا لعكاظ وكان أبوه يقضي بينهم في الجاهلية وصار ذلك ميراثا لهم.

ولكن يظهر ان هذه الأسواق ضعف شأنها بعد الفتوح فأصبحت البلاد المفتوحة أسواقا للعرب خيراً من سوق عكاظ، وصار العرب يغشون المدن الكبيرة لقضاء أغراضهم، فضعفت أسواق العرب ومنها عكاظ. ومع ذلك ظلت قائمة وكان آخر العهد بها قبيل سقوط الدولة الأموية. قال الكلبي: (وكانت هذه الأسواق بعكاظ ومجنه وذي المجاز قائمة في الإسلام حتى كان حديثا من الدهر، فأما عكاظ فإنما تركت عام خرجت الحرورية بمكة مع أبي حمزة المختار بن عوف الأسدي الأباضي في سنة١٢٩ خاف الناس ان ينهبوا وخافوا الفتنة فتركت حتى الآن، ثم تركت مجنه وذو المجاز بعد ذلك).

واستغنوا بالأسواق بمكة وبمنى وبعرفة. . . وآخر سوق خربت سوق حباشة خربت سنة١٩٧. أشار فقهاء أهل مكة على داود بن عيسى بتخريبها فخربها وتركت إلى اليوم.

فعكاظ عاصرت العصر الجاهلي الذي كان فيه ما وصل إلينا من شعر وأدب، وجرت فيها أحداث تتصل بحياة النبي (ص) قبيل مبعثه، مهدت السبيل قبيل الإسلام لتوحيد اللغة والأدب وعملت على إزالة الفوارق بين عقليات القبائل، وقصدها النبي (ص) يبث فيها دعوته، وعاصرت الإسلام في عهد الخلفاء الراشدين والعهد الأموي ولكن كانت حياتها في الإسلام اضعف من حياتها قبله، وبدأ ضعفها من وقت الهجرة لما كان من غزوات وحروب بين مكة والمدينة او بين المؤمنين والمشركين، فلما فتحت الفتوح رأى العرب في أسواق المدن المتحضرة في فارس والشام والعراق ومصر عوضا عنها، ثم كانت ثورة أبي حمزة الخارجي بمكة فلم يأمن الناس على أموالهم فخربت السوق، وختمت صحيفة لحياة حافلة ذات اثر سياسي واجتماعي وأدبي.

<<  <  ج:
ص:  >  >>