رَوِيَتْ منْ دماءِ أَبنائِها الغُرِّ ... م وفاضت رِباعُها والرَّحاب
أمس في الغَوطةِ الرَّؤوم تهاوَت ... شُهبٌ كلها منُىً وَشباب
وعلى ميسلونَ سالت دِماءٌ ... علَّمتْنا أنى يكونُ الغِلاب
شهداءٌ أعزةٌ عَدَدَ الزهْـ ... رِ أيحُصْى زَهْرَ الشاّم كتِاب!
يا هنانو أَثَرْتها ذِكريَاتٍ ... َضَمَدتها السِّنونَ والأحقاب
فلياِليَّ بعدَ منعْاك سُهدٌ ... وشرابي قذىً وَشَهْدِيَ صاب
كنتُ في قريتي الوديَعةِ سهوا ... نَ فلا غُصةٌ ولا أَوْصاب
تستبيني مِن الرُّعاةِ لحون ... وأغانٍ عُلويَّةٌ، ورَباب
وَمِنَ الطَّيرِ في الرُّبى نغماتٌ ... هن لِلُّبِّ مِزْهَرٌ وشراب
أدْفِنُ الهمَّ في ظِلالِ التمَنِّي ... والأعاليلُ مورِقاتٌ رِطابُ
وأَُغَنيَ مع الطفولةِ لحناً ... ذِكَرُ كله وشهد مذاب
وحواَلَيَّ صِبيةٌ كالعصف ... ير مِراحٌ، أهِلَّةٌ، أتراْب
يتبارَوْنَ عابثين فما يد ... رون ما الهمُّ، ما الأسى، ما العذاب
كدِتْ أسلو لَذْعَ الحنين وأنسى ... بينهم ما يهيجُهُ الاغتراب
فأتاني الناعي يجُمَجْمُ في القْو ... لِ فما إنْ يبينُ منه الخطاب
قالَ: مات الزَّعيمُ، قلْتُ: هوى الصَّر ... حُ رُكاماً وَقُوِّضَ المحراب
يا الهي أكلما سُدَّ باب ... من شَقاءِ الشام حُطِّم باب!
يا فقيدَ الآمالِ قُم فتأملْ ... كيف تبكي آمالنُا والرِّغاب
رَزَحَ الموْطنُ الجريحُ وناءت ... أُمَّهٌ لم يذلَّهَا الإرهاب
كنتَ في السَاح والندِىِّ زعيماً ... ما دَعَوْتَ الشبالَ إلا أجابوا
ومشوا خْلفَ ضغيمِ الغابِ صفاً ... ليس يخشى الردى وليس يَهاب
كلهم باسمون خلفَكَ للمو ... تِ، سِراعٌ إلى الطِّعانِ طِراب
كنتَ حِصْناً فدكَّ ذيْالك الحِص ... نُ وَحِرْزاً فَقُدِّتِ الأطناب
وشهِاباً يفترُّ في أفُقِ المج ... د بهِيِاً لا يعتريه غياب
شَعَّ دهراً فأُرشِد ابن الدياجي ... وأُنيَرت مسالكٌ وَشِعاب