كان بستور بلغ الثامنة والخمسين من عمره، فلم يبق فيه من الشباب بقية. ولكن هذا اللقاح الجديد الذي اكتشفه بغير قصد فنجا به الدجاج من الكوليرا، هذا اللقاح نفخ في جمرة حياته فاستعرت، فعاش من بعد ذلك ست سنوات هي أملأ سنواته بالحركة وأشدها احتداماً بالحياة، سنوات امتلأت بحجاج شنيع، وانخذال فظيع، ونصر غير منظور. في هذه السنوات الست صب بستور من الطاقة ما يصبه مائة رجل، وأحدث فيها من الحوادث ما يحدثه هذا العدد من الرجال متظاهرين
وقام بستور وصاحباه يؤكدون أمر هذا اللقاح، فتركوا مكروباً للكوليرا يقدُم في حسائه وزجاجته، فلما ضعفت شرته حقنوه في عشرات من الدجاج الصحيح، فمرضت سريعاً، واشتفت سريعاً؛ وبعد أيام قلائل حقنوها بذريعة خبيثة من المكروب نفسه تكفي لقتل العدد الوفير من الدجاج الصحيح الذي لم يحقن بعد، وأخذ ثلاثتهم يرقبون هذا الدجاج تياهين معجبين باحتماله تلك الملايين من المكروبات وصموده الغريب لها
هكذا أغرى بستور بذكائه مكروباً بمكروب. بدأ بتأنيسه، فلما تم له ذلك حشده وسلطه بأسلوبه الغريب على مكروب من جنسه
ولو أنه لم يكن عندئذ فعل ذلك في غير مكروب كوليرا الدجاج، فقد اندفع على عهده في غطرسته وتعجرفه على الأطباء، وفي حملته على آرائهم العتيقة، وهزئ برطانتهم اللاتينية، وسخر بوصفات جرّت بها أقلامهم على الورق سريعة كالبرق الخاطف، وانعقدت الجمعية الطبية فقام يخبر الأطباء في أدب جم أن لقاح الدجاج الذي كشفه يفوق كثيراً لقاح الجدري الخالد الذي كشفه يينار قال لهم:(فأنا الآن قد دللت على لم يكن يينار ليستطيع التدليل عليه، وذلك أن المكروب الذي يقتل الحيوان هو نفسه الذي يقيه من الموت!)
وضجر الأطباء ذوو الآراء القديمة والأزرّة الزرقاء ببستور أن نصّب نفسه إماماً ليينار العظيم. وقام الدكتور جول جيران يسخر من بستور أن أثار هذه الثائرة كلها من أجل تخبيص في دجاج - واستمرت الحرب في استعارها. وقام بستور في غضبة ثائرة، وأعلن على رؤوس الأشهاد رأيه في سخافة إحدى العمليات الجراحية التي يقوم بها جيران ويُعجب ويُغرم بها. فتلا ذلك منظر من أقبح المناظر وأفضحها يسوؤني أن أصفه وتضيق نفسي لاضطراري لذكره. نهض جيران من مقعده، وكان شيخاً في الثمانين من عمره،