للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

دمشق - كما يعلم الناس جميعاً - عاصمة من عواصم البيان العربي. . . .

ولقد رجعت أعرض تاريخ الأدب في دمشق منذ عهد الاحتلال إلى اليوم، وأنظر الآثار الأدبية الخالصة التي أخرجها أدباء دمشق هذه الخمسة عشر عاماً، فلا أجد إذا استثنيت مجلتي الرابطة الأدبية والميزان، ورواية سيد قريش لمعروف الأرناؤط، وكتابي المتنبي والجاحظ لشفيق جبري، ورسائل أئمة الأدب لخليل مردم بك، إذا استثنيت هذه الكتب، وكتابين آخرين أو ثلاثة قد أكون نسيتها، لا أجد أثراً أدبياً له قيمة. وهناك كتب محمد بك كرد علي: خطط الشام، والإسلام والحضارة، وغيرها، ولكنها ليست من الكتب الأدبية الخالصة، وإنما هي كتب تاريخ لا تدخل في موضوع مقالي.

على أن هذه الكتب التي استثنيتها ليست في درجة واحدة من حيث قيمتها الأدبية، فبينا نعد (سيد قريش) عملاً فنياً كبيراً على ما فيها من ضعف العقدة الروائية، وتشابه المناظر، وتكرار الأوصاف، وغلبة النصرانية على أجمل صفحاتها، نعد رسائل (أئمة الأدب) لخليل مردم بك، كتباً مدرسية، موضوعة لطلاب البكالوريا لا تبلغ أن تعد في الدراسات القوية التي تستند إلى طريقة في البحث معروفة، وتكشف عن نواح مجهولة من حياة الأديب الذي تبحث عنه ومن أدبه؛ ثم إن هذه الكتب نفسها إذا قيست بمدينة كدمشق، في مدة طويلة كهذه المدة، لا تعدو أن تكون أثراً ضئيلا لا يدل على حياة. . . . وهذا الأثر على ما فيه من ضعف ينحصر في فنين من فنون الأدب هما: القصة التاريخية، والدراسة التحليلية؛ أما سائر فنون الأدب كالقصة التمثيلية، والأقصوصة القصيرة، والصورة الوصفية، والمذكرات الأدبية، التأملات الفلسفية والشعرية، والدواوين القيمة، والخطب البليغة، وغيرها من فنون الأدب، فلا نكاد نجد لأدباء دمشق فيها أثراً يذكر.

من أجل ذلك لم أقل إن في دمشق حياة أدبية، لأن ما نحن فيه ليس بالحياة ولا بشبه الحياة، ولم أنف هذه الحياة لأن في دمشق أدباء ينتجون، أو يستطيعون أن ينتجوا شيئاً، وإنما أقول إن أدباء دمشق في منزلة بين الموت الكامل، والحياة الصحيحة، هي السبات العميق، والنوم الطويل الذي يشبه نوم الضفادع طول الشتاء، إذ تدخل في ثقب من الثقوب، فتلبث الفصل كله كأنها قطع الحجارة، لا تأكل ولا تشرب، ولا تنق ولا تتحرك. . .

وإلا فما يصنع كتاب دمشق وشعراؤها؟ وأين هي منتجاتهم الأدبية؟ وهل يكفي الشاعر أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>