للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تقول الشريعة القديمة: (ويل لمن يضحك)! وهذا القول عند زرادشت منكر قبيح. أما العاقل فيجب عليه أن يضحك الضحكة الإلهية؛ يجب أن يدنو من محجته وغايته بخطوات خفيفة راقصة طائرة، لا بليدة نادمة؛ إنه يتعزى بالضحك عن نقصه؛ إنه بالرقص والطيران يجوز مستنقعات الكآبة كالرياح العاصفة. يجب على الإنسان أن يتعلم الرقص بنفسه والضحك بنفسه وأن يرتفع وأن يسمو فوق نفسه، وأن تفوق نفسُه نفسَه على أجنحة الضحك والرقص.

يقول زرادشت: (إن إكليل الضحك، هذا الإكليل من الورد، ضفرته أنا على رأسي، وأنا قدست ضحكتي المرحة. إن إكليل الضحك، هذا الإكليل من الورد، أُلقى به إليكم يا رفاقي! أنا أقدس الضحك أيها الرجال السامون، فتعلموا أن تضحكوا).

- ٣ -

(إن من كان مثلي مدفوعاً بشوق غريب للتأمل في مذهب التشاؤم إلى أقصى حد، قد يكون - من حيث لا يريد بذاته - فاتحاً عينه على المثل الأعلى للرجل الحي الطروب المبتهج بالحياة الذي لم يتعلم أن يتحمل الماضي والحاضر فحسب، بل يعمل على إحيائهما معاً، مهما كان الماضي ومهما ذهب المستقبل.) ولعل هذا التشاؤم المبطن عمقه بالتفاؤل هو الذي حدا بنيتشه إلى أن يطلب الحياة لنفسه، ولهذه الرواية الإنسانية الشاملة الكاملة، وللوجود الذي يقوم بتمثيل هذه الرواية.

في شهر أغسطس من عام ١٨٨١ هبت في رأس نيتشه فكرة القول بالرجعة الخالدة التي أصبحت أساس فلسفة السوبرمان، وما لبثت هذه الفكرة أن ملكت عليه مشاعره كلها. وقد تتلخص هذه الفكرة في هذه الكلمة: إن شحنة القوى التي تهيمن على العالم تتراءى لنا ثابتة سرمدية؛ لا نقدر على أن نفترض لها نقصاً لأنها لو كانت كذلك لوجب زوالها في هذا الدهر الطويل، ولا نقدر على أن نفترض لها نمواً - كالنمو العضوي الذي نعرفه - إذ لو كانت كذلك لافتقر نموها إلى غذاء؛ وما هو هذا الغذاء أو هذا الوقود؟ وعلى هذا لم يبق لدينا إلا الاعتقاد برسوخ هذه القوى وثباتها.

(يتبع)

<<  <  ج:
ص:  >  >>