إن هذا الكتاب يفرض نفسه بهذه الطريقة الفينة البديعة، فليس يمكن أن يقال إنه لا ضرورة لوجوده، إذ هو الضروريَّ من السيرة في زمننا هذا، ولا يُغْتَمَزُ فيه أنه تخريف وتزوير وتلفيق، إذ ليس فيه حرف من ذلك؛ ولا يردُّ بأنه آراء يخطئ المخطئ منها ويصيب المصيب، إذ هو على نص التاريخ كما حفظته الأسانيد؛ ولا يُرمى بالغثاثة والركاكة وضعف النسق، إذ هو فصاحة العرب الفصحاء الخُلَّص كما رُويت بألفاظها؛ فقد حصنه المؤلف تحصيناً لا يُقتحم، وكان في عمله مخلصاً أتم الاخلاص، أميناً بأوفى الأمانة، دقيقاً كل الدقة، حَذِرا بغاية الحذر.
ومن فوائد هذه الطريقة أنها هيأت السيرة للترجمة إلى اللغات الأخرى في شكل من أحسن أشكالها يرغم هذا الزمن على أن يقرأ بالإعجاب تلك الحكاية المنفردة في التاريخ الإنساني؛ كما أنها قرَّبت وسهلت فجعلت السيرة في نصها العربي كتاباً مدرسياً بليغاً بلاغة القلب واللسان، مربياً للروح، مرهفاً للذوق، مصححاً للملكة البيانية.
وحسبُ المؤلف أن يقال بعد اليوم في تاريخ الأدب العربي: إن ابن هشام كان أول من هذَّب السيرة تهذيباً تاريخياً على نظم التاريخ، وأن توفيق الحكيم كان أول من هذبها تهذيباً فنياً على نسق الفن.