الشمطاء الطيبة، مرضعة أورست، التي بكت أحر البكاء وآلمه وأوجعه يوم أخذوا منها ولدها - كما كانت تدعوه - ليُنفى في أقصى الأرض
لقد كانت هذه العجوز الشمطاء امرأة ثاقبة الفكر، رحبة الصدر، شديدة الإيمان في السماء! فكانت تواسي الكترا وتأسو جراحاتها، وتمنيها الأماني، وتزخرف لها الأمل، وتذكر لها أن عين سيد الأولمب الساهرة لن تغفل عن لؤماء قصر آل (بيلوبيديه) وإنها ترعى فتى القصر في منفاه، حتى إذا آنست فيه استواء أرسلته كالصاعقة على المجرمين؛ فنقض بنيانهم، وزلزل أركانهم، وانتقم لأجاممنون!
وكان قاهر طروادة قد جلب معه غير كاسندرا عدداً وافراً من السبايا الطرواديات، فاستطاعت المرضعة العاقلة، المحنكة، أن تجعل منهن جندا لها، وحاشية مخلصة لفتاتها المعذبة، يخففن من برحائها، ويكن لها أهلاً كلما عزها الأهل
ومضت سنوات عشر فسقطت طروادة
ومضت سنوات عشر بعد مقتل أجاممنون
واشتد ساعد أورست، وعاد ليبطش بالقتلة السفاكين وبدأت المأساة الثانية
- ٣ -
لمن هذه الأشباح السادرة التي تهرول بين المقابر مُهطِعة إلى رمس أجاممنون؟
إنها تختلط بغبشة السباح وتمتزج صُعداؤها بأنفاسه، وإنها لتضمر في قلوبها لظى ينعكس في ذاك الشفق الذي يضطرم به الشرق. . . حيث يسبح البنفسج في حمرة الدم!!
آه! أنه شاب غرانق، سمهري، مجلل بالسواد يجثو فوق الثرى. . . يبكي ويصلي!! وإن بالقرب منه لصديقاً ينتظره. . . ويذرف دموعه من أجله. . . فيا للمودة في الرزء، ويا للإخلاص في الشدائد!! اسمع إلى الشاب المحزون: يخاطب تمثال هرمز النصفي المنتصب فوق القبور، ثم يكلم من بالقبور:
- (يا هرمز اللطيف، يا إله الأرواح وحاديها إلى هيدز، أيها الساهر على هذه المقبرة وعلى كل مقبرة. . . العوْن العوْن!)
ويضع خصلتين من الشعر على قبر أبيه، ويقول: (هأنذا أضع خصلة من الشعر هنا تحية لأيناخوس الذي رويت بمائه، وترعرعت على شطئانه. . . وأخرى تحية للموتى. . . يا