للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بمصادر غير مباشرة من تصحيح هذا الرأي. فلم يكن فطرياً سوى أحوال البدو، يشهد بذلك الشعر القديم وأخبار القبائل ويؤيده ما يصادفه المرء عند البدو اليوم. أما المدن ومنها مكة التي كانت مركزاً تجارياً ذا صلة باليمن وسورية البيزنطية والعراق الساساني، والمدينة التي كانت مركز زراعة النخيل مركزاً يضم جالية كبيرة من اليهود - نقول: أما المدن، ومنها ما ذكرناه، فكان لها بلا ريب قانون أكثر نمواً لم يمكن إلا أن يتأثر بالعوامل الخارجية التي ذكرناها، ويمكننا أن ننسب بالتفاصيل إلى الأصل البدوي أشياء منها النظام الاجتماعي وأحكام العائلات والمواريث وقانون القصاص - وكل هذا بقى سارياً على أهل المدن أيضاً - ويمكننا أن ننسب إلى التطور المدني الموافقة على قواعد مفصلة تطبق على العقود ووضع أشكال معينة للشركات واستعمال وثائق مكتوبة - كل هذا في مكة - ومعاملة بعض العقود الزراعية في المدينة. فكل هذه العناصر لم تبق بمعزل بل اتسع تداخلها بتأثير العلاقات التجارية التي تساعد على نموها الأشهر الحرم والأسواق الكبرى، حتى أن بلاد العرب كانت في القرن السادس بعد الميلاد محكومة بقانون عرفي متشعب الأطراف، وهذا يطرح مسألة تحليل هذا القانون تحليلاً مفصلاً سأقدم لكم مثالاً منه

الحالة في الشرع الإسلامي هي أن العنصر الجوهري في كافة العقود يتألف من الإيجاب والقبول اللذين يعبران عن تراضي المتعاقدين، وهذا التركيب القانوني للعقود من إيجاب وقبول تجمع مذاهب الفقه على التسليم به كأنه أمر طبيعي دون أن يتناقض بعضها مع بعض، وهو لابد أن يكون سابقاً لتلك المذاهب فضلا عن أنه لا صلة له بالمبادئ الإسلامية المحضة كمنع الربا ومنع الغرر التي تبنى عليها كافة الأبواب المتعلقة بأحكام العقود من الشريعة. وهذا كله ودلائل أخرى تحمل على الاعتقاد بأن تلك العبارة القانونية عن طبيعة العقود ترجع إلى القوانين العرفية فيما قبل الإسلام. أجل إن هذه الفكرة القانونية تكاد تكون شاذة شذوذاً تاماً في تاريخ القوانين القديمة. فإن الأمر المعني هنا ليس بذلك الدور الطبيعي الواضح الذي كان للإيجاب والقبول دائماً في الحياة الاقتصادية باعتبار أنها مقدمة العقود المتواضع عليها بمحض التراضي؛ ولكن النقطة الحاسمة هي أن الإيجاب والقبول يعتبرهما النظر القانوني عنصراً جوهرياً في العقود، وأولئك الذين درسوا الشرع الإسلامي أو القوانين الحديثة فقط يمكن أن يلوح لهم هذا ضرورياً، بيد أن التاريخ يدلنا على أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>