الجامع الأزهر وغيره من المساجد والمدارس الجامعة بمدينة القاهرة، ولكننا نراه ما يزال حتى القرن السابع مثوى للأدب واجتماعاته، وبرغم عفائه وقدمه ونسيان أمره، كانت تعقد في عرصاته حلقات للقراءة والدرس، وهو ما يشير إليه ابن سعيد أيضاً خلال وصفه للمسجد الجامع في منتصف القرن السابع، بيد أن هذه الحلقات لم تكن من الأهمية والرونق والانتظام مثلما كانت عليه في القرون الأولى يوم كان المسجد الجامع مجتمع الأمراء وأقطاب التفكير والأدب. وكانت يومئذ أقرب إلى الصبغة المدرسية. ومع ذلك فقد بقي للمسجد الجامع حتى ذلك العصر كثير من ذكرياته الأدبية المجيدة. وهي كعبة الأدباء والشعراء. يجتمعون فيه كلما سنحت فرص الاجتماع لعقد الأسمار والمطارحات الأدبية. وإليك نموذجاً لهذه الاجتماعات الشهيرة أورده ابن فضل العمري في موسوعته الكبيرة (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار) في حديثه عن المسجد الجامع.
(حكي على بن ظافر الازدي. قال: روى لي أن الأعز أبا الفتوح ابن قلاقس وابن المنجم اجتمعا في منار الجامع في ليلة فطر ظهر بها الهلال للعيون. وبرز في صفحة بحر النيل كالنون. ومعهما جماعة من غواة الأدب الذين ينسلون إليه من كل حدب. فحين رأوا الشمس فوق الليل غاربة. وإلى مستقرها جارية ذاهبة. وقد شمرت للمغرب الذيل. واصفرت خوفاً من هجمة الليل. والهلال في حمرة الشفق. كحاجب الشائب أو زورق الورق. فاقترحوا عليهما أن يصنعا في ذلك الوقت الزيه. على البديه. فصنع ابن قلاقس:
انظر إلى الشمس فوق النيل غاربة ... وانظر لما بعدها من حمرة الشفق
غابت وأبقت شعاعاً منه يخلفها ... كأنما احترقت بالماء في الغرق
وللهلال، فهل وافى لينقذها ... في إثرها زورق قد صيغ من ورق؟
وصنع ابن المنجم:
يا رب سامية في الجو فمت بها ... أمد طرفي في أرض من الأفق
حيث العشية في التمثيل معركة ... إذا رآها جبان مات للفرق
شمس نهارية للغرب زاهية ... بالنيل مصفرة من هجمة الغسق
وللهلال إنعطافة كالسنان بدا ... من سورة الطعن ملقى في دم الشفق
(وحكي على بن ظافر أيضاً، قال: أخبرني ابن المنجم الصواف بما معناه: قال، صعدت