رأيت في النوم كأن القيامة قد قامت، وكأن صبياناً بأيديهم القلال فيها الماء، يستقبلون الناس يسقونهم، وكأن اليوم حار شديد حره، فقلت لأحدهم: اسقني من هذا الماء، فنظر إليّ فقال: لا، ليس أنت أبي، فقلت: فأيش أنتم؟ قال: نحن الصبيان الذين متنا في دار الدنيا، وخلفنا آباءنا نستقبلهم فنسقيهم الماء، فلهذا تمنيت موته
- ٤ -
كتب سعيد بن حميد إلى محمد بن عبد الله: ليس المعزّى على سلوك السبيل التي سلكها الناس من قبله، والمضيّ على السنة التي سنها صالحوا السلف له، وقد بلغني ما حدث من قضاء الله في أم الأمير، فنالني من ألم الرزية، وفاجع المصيبة ما ينال خدمه الذين يخصهم ما خصه من النعم، ويتصرفون معه فيما تناوله الله به من المحن، فأعظم الله للأمير الأجر، واجزل له المثوبة والذخر، ولا أراه في نعمة عنده نقصاً، ووفقه عند النعم للشكر الموجب للمزيد، وعند المحن للصبر المحرز للثواب، إنه هو الكريم الوهاب، ورحم الله الماضية رحمة من رضى سعيه، وجازاه بأحسن عمله، ولو كانت السبل إلى الشخوص إلى باب الأمير سهلة، لكان الله قد أجلّ الأمير عن أن يعزيه مثلي بالرسول دون اللقاء، وبالكتاب دون الشفاه؛ ولكن الكتاب لقاء من لا سبيل له إلى الحركة، وقبول العذر عمن حيل بينه وبين الواجب
- ٥ -
لما حضرت الإسكندر الوفاة كتب إلى أمه أن اصنعي طعاماً ويحضره الناس، ثم تقدمي إليهم ألا يأكل منه محزون، ففعلت، فلم يبسط أحد إليه يده، فقالت: مالكم لا تأكلون؟ فقالوا: إنك تقدمت إلينا ألا يأكل منه محزون، وليس منا إلا من أصيب بحميم أو قريب. فقالت: مات والله أبني، وما أوصى إليّ بهذا إلا ليعزيني
- ٦ -
كتب ابن السماك إلى الرشيد يعزيه عن ابن له: أما بعد، فإن استطعت أن يكون شكرك لله حين قبضه، أكثر من شكرك له حين وهبه فافعل، فإنه حين قبضه أحرز لك هبته، ولو سلم لم تسلم من فتنته، أرأيت حزنك على ذهابه، وتلهفك لفراقه؟ أرضيت الدار لنفسك