صاحبكما هذا منذ حين؛ ولقد رثيت له حين رأيته وأوشاب الناس من حوله يؤذونه بألسنتهم وأيديهم. ولقد هممت أن أفزع لنصره والذود عنه. وما كنت أعلم من أمره شيئاً، ولكنها الرحمة عطفتني عليه؛ ولقد هممت أن أستأذنكما في إيوائه وإيثاره بشيء من القرى، ولكني رأيتكما تنظران وتتحدثان ولا تنشطان؛ ثم أمرتماني بالسعي إليه، فلما بلغته سمعت منه كلاماً ما سمعت مثله في هذه الأرض. فلما سألته عن ذلك سألني عن موطني. فلما أنبأته به قال هذا موطن يونس نبي الله. فما شككت في أنه صاحبي الذي أقبلت ألتمس أنباءه. قال عتبة ويحك يا عداس إن حديثك هذا العجب، ولكنا نخشى أن يفسد عليك صاحبنا دينك، وإن دينك لخير مما يدعوا إليه. قال عداس: مهلاً يا سيدي! إن الذي يقول ما سمعت لا يدعوا إلى شر ولا يغري بفساد، ولا يأمر إلا بمعروف. ولا يقول إلا حقاً. قال شيبة: ويحك يا عداس لقد سحرك صاحبنا فيمن سحر، فماذا سمعت منه؟ قال عداس: بل لقد هداني فيمن هدى، ولقد سمعته يناجي ربه بحديث ما سمعت أعذب منه. لقد حفظت حديثه، وإنك لتعلم ما أنا بالعربي، وما حفظ أحاديثكم علي بيسير. قال عتبة: فهات أعد علينا ما سمعت. قال سمعته يقول:(اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين. أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك).
ولم يفرغ العبد من هذا الحديث حتى أغرق في بكاء هادئ، وأغرق سيداه في وجوم عميق. ثم ثاب القوم جميعاً إلى أنفسهم ونظر القرشيان أحدهما إلى بعض نظرة المستخذي الأسف. ثم قال عتبة لعداس: أنت وما تشاء يا عداس من حب صاحبك وطاعته، ولكن لا تنس أن لنا عليك حقاً وطاعة، وأنا حريصان على ألا تظهر من أمرك شيئاً فتضطرنا فيك إلى ما نكره، وتضطر قومنا فينا إلى ما تكره
ومضت أعوام وحدثت أحداث، ونظر العبد الشيخ ذات يوم فإذا محمد صلى الله عليه وسلم قد ضرب عسكره حول الطائف يحاصر فيها ثقيفاً؛ وكان عداس قد انتقل من ملك ابني ربيعة بعد موتهما إلى الثقفيين، وإذا نفسه تنازعه إلى صاحبه، وإذا هو يحرض الرقيق