أحاط بالرجلين من ظروف وملابسات؛ فقد كان عصر المتنبي عصراً داوياً بالشعر زاهياً بالكثير من الشعراء، ولكن شعر المتنبي قد غطى على أكثر تلك الأصوات الداوية؛ وقد غمر اسم المتنبي أكثر تلك الأسماء فكان كما قال عن نفسه:
أنا الصائح المحكي والآخر الصدى
وكذلك كان شوقي في عصر يهوى بالشعر ويزخر بالشعراء ففلج عليهم شوقي باسمه وبشعره، وجاءه الشعراء من كل صوب يبايعونه بأمارة الشعر
وقد كان المتنبي شاعراً مداحاً وكذلك كان شوقي؛ والمتنبي كان ينتقل بمدائحه من جناب إلى جناب، ومن بلد إلى بلد، وكذلك فعل شوقي
ولقد أخلص المتنبي في مديح سيف الدولة فأفاض عليه من مدائحه الخالدة خلوداً لا يبلى؛ وما كان سيف الدولة لولا المتنبي إلا ملكا كسائر الملوك
وكذلك أخلص شوقي في مديح سمو الخديو عباس الثاني، فأفاض عليه من مدائحه الخالدة خلوداً لا يبلى، وسجل اسمه مشرقاً وضاء في سماء المجد حيث لا يلمع كثير من الأسماء الطنانة
أننا لنأسف إذ لا نجد بين أيدينا صورة مفصلة لجوانب الحياة الاجتماعية في مصر منذ ألف عام لنستطيع أن نقارن بينها وبين جوانب حياتنا الاجتماعية الحاضرة لنستخلص ما يكون بين الحياتين من تماثل قريب أو بعيد
على أن ذلك لا يمنعنا من أن ندرك ما بين الحياتين إجمالاً من تشابه قوي إلى حد بعيد يثير العجب؛ فلقد ترك المتنبي وصفا واضحا وأن كان مجملاً للحياة في مصر أيام عرفها المتنبي واتصل فيها بمعية كافور الأخشيدي. ولعمري لا يزال أكثر ما قاله المتنبي في ذلك أو كله ينطبق على حياتنا الحاضرة ويصفها وصفا صادقاً:
نامت نواظير مصر عن ثعالبها ... فقد يشمن وما تفنى العناقيد
وكم ذا بمصر من المضحكات ... ولكنه ضحك كالبكا
أنا لفي زمن ترك القبيح به ... من أكثر الناس إحسان وإجمال
ماذا لقيت من الدنيا وأعجبه ... أني بما أنا شاك منه محسود
ولما صار ود الناس خبا ... جزيت على ابتسام بابتسام