للشرق ماضٍ كلّما عرضت له ... ذكراهُ يزفر زفرَة المتنهِّد
الشرق يأمُل أن تحلَّ وثاقه ... جرت الشعوب وسار سير المقعد
لهفي عليه منسَّبًا لم يُجْدِهِ ... طيبُ النجار ولا كريمُ المحتد
بتنا نعيش على حساب جدودنا ... هيهات ليس الحرُّ كالمستعْبَد
أين الجبالُ من التلال أو الربى ... أين القويُّ من الضعيفِ القُعْدَد
لا القوم منِّي لا ولا أنا منهمُوُ ... إن لم أفْقهُمْ في العلا والسؤدد
كان الجدودُ لهم شَرًى يأوُونَهُ ... ولنا وكورٌ من يَردْها يَصْطَد
كانوا مغاوِرَ يعتدون على الورى ... فإذا بنوهم عرضةٌ للمعتدي
صالوا برمحٍ ذابلٍ ومهنَّدٍ ... عَضْبٍ ونعجز أن نصولَ بمِبرْد
أين الذي نظم الجيوش؟ من الذي ... نظمَ الكلامَ قلائدً من عسجد
قد كان همهم الفتوحُ وهمنا ... أن نغتذِى أو نرتوِى أو نرتدي
إرثٌ على يدنا تبدَّد شملُه ... يا ليت هذا الإرثَ لم يتبدَّد
يا من رأى أرضاً أُبيحَ حرامُها ... بالأمس كانت في قداسَةِ مَعْبَدَ
أُممٌ تباعُ وتُشترى في السوق مِنْ ... يَدِ سيَدٍ تمضي إلى يد سيد
الحرب حولَ الشرق شَبَّ أُوارُها ... والشرق يرقبُ من يَقُدْهُ ينقد
ما لي أرى الشرقَ المهيضَ جناحُه ... رغم اتحاد الهم غيرَ موحَّد
وإذا تفرقت الشعوب مواقعاً ... وتقاربت غاياتها لم تبعد
ولقد تهان أمامنا جاراتُنا ... وشكاتهنَّ تُذيب قلبَ الجَلْمَد
فنرى ونسمعُ صامتين كأننا ... لم نستمعْ وكأننا لم نشهد
فإذا تحمسنا مَددْنا نحوَهُمْ ... كفَّ الدعاء وغيرها لم نَمْدُد
عذرا بني أعمامنا! أغلالنا ... قعدتْ بنا عن نجدة المستنجد
أعْزِزْ علينا أن نرى جيرانَناَ ... يتَخَطَّفون ونحن مكتوفو اليد
من لي بجيل مستجَدٍّ لم يرثْ ... إلا عنٍ الجدِّ القديم الأبعد
يرثُ (ابنَ هندٍ) في أصالة رأيه ... أو (خالداً) في عزمه المتوقِّد
لم يعتد الضيمَ الذي نعتادُهُ ... أَهْوِنْ بكلِّ أذًى على المتعوِّد