لا يقال ذلك لأنه يجب قبل كل شيء الاستيثاق والتثبت من صحة ألفاظ الشاهد، وأول طرق هذا الاستيثاق عدم احتمال تحريف كلماته
فكلمة (الحرار) تحتمل احتمالاً قريباً جداً أن تكون محرفة عن (الجوار) بفتح الجيم وبعدها واو أي (العبرات الجواري) جمع (جارية) اسم فاعل مؤنث من فعل (جَرى) الدمع إذا سال على الخدين
ووصف الدموع بالجواري صحيح من حيث قواعد العربية، فصيح من حيث شيوع استعماله في كلام البلغاء
أما كلمة (الحرار) فليست بهذه المثابة: لا من حيث القواعد ولا من حيث شيوع الاستعمال
ونسخة ديوان الخنساء التي بين أيدينا إنما هي من طبعة الأب لويس شيخو اليسوعي وهو - رحمه الله - لم يشتهر بالدقة في ضبط نصوص ما ينشره من الآثار الأدبية، ولا في تحقيق كلماتها اللغوية
فلعل الفاضل (محمد حصار) وقعت إليه مثل هذه المطبوعة أو مخطوطة قديمة أخرى يسرع إلى مثلها هذا التحريف
وفي مكتبتي نسخة شرح مخطوط على ديوان الخنساء كتبت سنة ١١٤٥هـ لمؤلف مجهول؛ وما لي لا أقول إن هذا الشرح لثعلب كما يمكن استنتاجه من خاتمة المخطوطة؟ وقد سقط منها بعض أوراق فلم أجد قصيدة (العبرات الحرار) فيها. فلعل القصيدة برمتها غير موجودة في رواية تلك النسخة أو هي في ضمن الأوراق الساقطة
وتوجد نسخة من هذا الشرح نفسه في دار الكتب المصرية كتبت سنة (٦٢٠هـ) كما يفهم من الفهرس العام (جزء ٣ نمرة ٢٠٣)
فلعل أحداً من قراء (الرسالة) ممن تهمهم أمثال هذه البحوث وهم كثيرون - يزور دار الكتب المصرية ويراجع لنا بيت الخنساء ويتثبت من قافيته: أهي (الحرار) أو (الجوار)
أو يراجع ما هو أوثق من ذلك كله وهو نسخة ديوان الخنساء بخط اللغوي الكبير المحقق العلامة الشنقيطي التركزي رحمه الله، وإن له على نسخته تقييدات كالشرح لها. وهذه النسخة أيضاً من نفائس ما حوته دار الكتب المصرية. راجع فهرسها العام (جزء ٣ ص