أما أنتم فاملكوا أنفسكم - لا تحزنوا ولا تأسفوا ولا تبكوا لأني علمتكم كيف تكونون في طفولتكم أكثر منا في شبابنا رجولة وصبرا - ونشأتكم على القوة التي فقدناها، والبعد عن العاطفة التي ربينا عليها، وإنكار الألم الذي لا نزال نهرب منه، والمغامرة التي نكرهها ونجهلها لأرى صبركم في مثل هذا اليوم
أنكم الآن تجتمعون حولي، ولكنكم ستتفرقون في المستقبل، وستنثرون على درجات السلم الاجتماعي نثراً، وسيكون منكم الغني والفقير، والكبير والصغير، والتاجر والصانع، والموظف الكبير، والمدير والوزير. ولكن قلبي سيتبعكم، وحياتي ستمتد فيكم، ومبادئي ستبقى في قلوبكم، لا تستطيعون أن تتناسوها، وكلماتي سترن في آذانكم لا تقدرون أن تتغافلوا عنها، وستسمعونها تدعوكم باسم الواجب في ساعات الهوى، وباسم الحق في جولة الباطل، وباسم الفضيلة في غمار اللذة. فطوبى لمن لبى وسمع واستجاب، وويل لمن نسى وأنكر وأعرض واستكبر!
إنني لقنتكم مبادئ الحق والفضيلة ولكنكم ستجدون في تطبيقها عناء كبيراً؛ ستجدون أول خصومها معلميكم في المدرسة وأهلكم في البيت ورفاقكم في الطريق، فالسعيد السعيد من ثبت على الحق، وأوذي في سبيله؛ والبطل من درأ بصدره السهام عن أمته، وأطفأ بدمه النار التي تحرق وطنه. أن في أمتكم طاعوناً أخلاقياً مروعا أصيبت به منذ خمسمائة سنة فذلت واستكانت، وفقدت عزتها وصبرها وقوتها، وقد جاء الوقت الذي تبرأ فيه الأمة. أنها لن تبرأ إلا على أيديكم. . .
لقد دللتكم على الطريق، ووضعت في أيديكم مفتاح النجاح، فعلمتكم فضائلي كلها مع ما عرفت من فضائل، وجنبتكم نقائصي كلها مع ما عرفت من نقائض، فاحترمتكم لتحترموني، وأخطأت أمامكم لتردوني، ورجعت عن خطئي لتتعلموا مني، وأنصفتكم من نفسي لتنصفوا الناس من نفوسكم، وعلمتكم معارضتي إذا جرت لتتعلموا المعارضة لكل جائر، ولم آت في ذلك بدعا. فهذه مبادئ الإسلام الذي علمتكم اتباع سبيله، والوقوف عند أمره ونهيه والفخر به، والجهر باتباع شعائره، وربيتكم على الطاعة في غير ذل، والعزة في غير كبر، والتعاون على الخير، والثبات على الحق، والقوة في غير ظلم، والنظام الكامل من غير أن يفقدكم النظام شخصياتكم واستقلالكم