للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

(أظهروا أيها السادة أنكم قضاة تنشقون هواء الأكروبول، وانكم لا تخوضون في ماء النيل العكر)

معك الحق كله يامتر بابا كوس! لقد تركت أثينا في اليونان ثم عبرت البحر فوجدت أثينا في مصر!! فالفنادق للروم، والمطاعم للروم، والمقاهي للروم، والمواخير للروم، ودور السينما للروم، وقاضيك من الروم، وجانيك من الروم، وبقالك من الروم، وحلاقك من الروم، وخادمك من الروم! وإذا طلبت الماء، أو أردت الكهرباء، أو ركبت الترام، أو دخلت البنك، أو قصدت المتجر، وجدت كل ذلك في أيدي أقوام سحنتهم غير مصرية، ولغتهم غير عربية!! فإذا سألت (مخالي) عن المصريين قال لك أنهم أجراء عند (خريمي) في المزرعة، أو سكارى عند (يني) في البار!! معك الحق كله يامتر بابا كوس أن تهين شعبا يسمع إهانته في كل يوم وفي كل مكان فيغضي ثم يمضي! وأي إهانة آلم وأشنع من (الامتيازات) وهي طعن في إنسانيته وقدح في كفايته وتجريح لعدله!! ولكن الحق يبرأ منك حين تقول وأنت وريث أرسطو ومِدْرَهُ أثينا إنك لم تقصد بهذه الجملة إهانة مصر، وإنما هي: (عبارة من عبارات البلاغة التي يستعملها المتكلم عادة) فلسنا من البلاهة بحيث يخدعنا عن جد الجريمة هزل الاعتذار!!

رحم الله أستاذنا المهدي! لقد كان يرى الرجل المتمدن يرمي الرجل المتمدن بالكلمة العوراء يندى لها جبينه، ويغلي منها دمه، فما هو إلا أن يقول الشاتم المتمدن للمشتوم المتمدن (سحبتُها) حتى يجف عرق الجبين، ويكف غليان الدم! فيقول الأستاذ بلهجته العربية:

(عجيب!! كلمة قيلت كيف تُسحَبْ! ولطمة أصابت كيف تُسترد؟!)

لا نريد من شبابنا أن يدفعوا البغي بالبغي، وإنما نريد منهم أن يفهموا الواغلين أن كدر النيل ليس من أهله، وأن الطريق الذي يسفي عليه الغبار والأقذار هو الطريق الذي فتحه لهم الاقتصاد المستعمر، فإذا ملناه ونظفناه عادت إلى نيلنا نقاوته، وإلى شعبنا كرامته

ليس على الأجنبي من حرج في أن يزاحمك في بلدك، فإنما جهاد الدنيا زحمة، وهو حين ينافسك ينافسك في حمى القانون، ويغالبك في حدود الطبيعة، وإنما الحرج كله عليك إذا ظللت تشتري وهو يبيع، وتغرم وهو يغنم!!

نضَّر الله الشباب العاملين!! لقد أخذوا يَجْلون عن وجه مصر الجميل غيرة القرون وذلة

<<  <  ج:
ص:  >  >>