عصر الأدب الحجري وأصبح يدون منه شيء على ورق البردي، وبهذا خفف الفكر عنه بانعتاقه من السجن الحجري. فأصبح كل شيء يدعو إلى الملاحظة، ويغري بالتأمل، وأصبحت العقول المثقفة تشعر بالضيق وتحس بالشك واليأس، والشعب تدفعه عوامل الرغبة إلى المعرفة واللذة، نشوان بنجاح جرأته، وكما يكون الأمر في كل ثورة، تصطدم الحركة العقلية بالقوة الجارفة، فلا يكاد يجد العقل متسعا ولا فراغا للإنتاج، على أنه برغم ذلك قام بعض متأملين معتزلين وألقوا بذورا مثمرة في هذا المجتمع يوم ثورته. وفي عهد ملوك (هيراكليوبوليس) دوَّن المصريون (تعاليم للملك مريكارا) وهجاء الضائع، وأنين الفلاح. وكلها مرايا تنعكس فيها الحالة السياسية التي شرحناها من قبل. وفي العهد نفسه نشأت موضوعات مختلفة (أيام الفوضى) وضعها أصحابها على لسان حكيم هرم أو كاهن، وشكاوي طرحها (مبغض للبشرية) بينه وبين نفسه، وفي كل هذا نرى الشعور الديني قد ضعف شأنه، وهنالك حيث تحطم النظام الاجتماعي الاول نرى التعاليم الاعتقادية قد تقوضت ووهن تأثيرها في النفوس.
في الأسرة الثانية عشرة على أثر الانعتاق من الروابط السحرية التي تلت عصر الثورة، حل شيء من الثقة في النظام، وأصبح المجتمع تسيطر عليه شرائع عادلة، والأدب الجديد الديني المنقوش على الصفائح والتوابيت، وعلى ورق البردي كان يعمل على إنماء الخواطر التي تدفع بالإنسان الفاضل إلى التلذذ بالنعيم الإلهي في العالم الثاني. وفي هذا العصر ازدهرت مدرسة أدبية عنيت بتهذيب اللغة وتنقيح الأسلوب، ونحن مدينون لأصحابه بقصص لطيفة منها (سيروت) و (الغريق) وهذه قصة حادثية تحوي أهواء مسافر طرحته المقادير في صحراء، أو ساقته إلى بحار مجهولة. وهنالك مشروع ساعد على تهذيب موظفي الحكومة وتثقيفهم، فنشأ من كل ذلك موضوعات وصفية وعاطفية وقصصية تؤلف أدب ذلك العصر كله، بل الأدب (الكلاسيكي) لمصر القديمة
والأدب، في الدولة الحديثة، فاض معينه، وتوثبت أمواجه إلى شواطئ حرة، وأساليب غير مقيدة. والدولة الحديثة قد حطمت قيودها وفتحت لنفسها ينابيع جديدة (للتحسس) حتى أصبحت الفنون في عهد (العماونه) عالمية.
والأدب الحديث حطم قيود المدرسة الأدبية واستطاع أن يدخل على لغته المختارة بساطة